اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا} (30)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } الآية .

لما ذكر وعيد المبطلين ، أردفه بوعد المحقِّين ، وهذه الآية تدل على أنَّ العمل الصالح مغايرٌ للإيمان ؛ لأنَّ العطف يوجب المغايرة .

قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } : يجوز أن يكون خبر " إنَّ الَّذينَ " والرابط : إمَّا تكرر الظاهر بمعناه ، وهو قول الأخفش{[21023]} ، ومثله في الصلة جائزٌ ، ويجوز أن يكون الرابط محذوفاً ، أي : منهم ، ويجوز أن يكون الرابط العموم ، ويجوز أن يكون الخبر قوله : { أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ } ويكون قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } اعتراضاً ، قال ابن عطية : ونحوه في الاعتراض قوله : [ البسيط ]

إنَّ الخَلِيفَةَ إنَّ الله ألبَسهُ *** سِربَالَ مُلكٍ بهِ تُزْجَى الخَواتِيمُ{[21024]}

قال أبو حيَّان : ولا يتعيَّنُ أن يكون " إنَّ الله ألبسَهُ " اعتراضاً ؛ لجواز أن يكون خبراً عن " إنَّ الخليفة " . قال شهاب الدين : وابن عطيَّة لم يجعل ذلك معيَّناً بل ذكر أحد الجائزين فيه ، ويجوز أن تكون الجملتان- أعني قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } وقوله { أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ } - خبرين ل " إنَّ " عند من يرى جواز تعدد الخبر ، وإن لم يكونا في معنى خبر واحد .

وقرأ{[21025]} الثقفيُّ " لا نُضيِّعُ " بالتشديد ، عدَّاه بالتشديد ، كما عدَّاه الجمهور بالهمزة .

وقيل : ولك أن تجعل " أولئك " كلاماً مستأنفاً بياناً للأجرِ المبهمِ .

فصل

قال ابن الخطيب{[21026]} : قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } ظاهره يقتضي أنَّه استوجب المؤمن على الله بحسن عمله أجراً ، وعندنا الاستيجاب حصل بحكم الوعد . وعند المعتزلة : بذات الفعل ، وهو باطلٌ ؛ لأنَّ نعم الله كثيرةٌ ، وهي موجبةٌ للشكر والعبوديَّة ، فلا يصير الشُّكر والعبودية بموجبٍ لثوابٍ آخر ؛ لأنَّ أداء الواجب لا يوجبُ شيئاً آخر .


[21023]:ينظر: معاني القرآن للأخفش 396.
[21024]:البيت لجرير ينظر: تأويل المشكل 251، أمالي الزجاجي 42، معاني الفراء 2/140، الدر المصون 4/452.
[21025]:ينظر: البحر المحيط 6/116، الدر المصون 4/452.
[21026]:ينظر: الفخر الرازي 21/103.