قوله تعالى : { ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية } ، نصب على الحال والقطع ، وذلك أن قومه طلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة ، وأشاروا إلى صخرة ، فدعا صالح عليه السلام فخرجت منها ناقة وولدت في الحال ولدا مثلها ، فهذا معنى قوله : { الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله } ، من العشب والنبات فليست عليكم مؤونتها ، { ولا تمسوها بسوء } : ولا تصيبوها بعقر ، { فيأخذكم } ، إن قتلتموها ، { عذاب قريب }
ثم أرشد صالح - عليه السلام - إلى المعجزة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه فقال :
{ وياقوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً . . } أى : معجزة ، واضحة دالة على صدقى وفى إضافة كغيرها من النوق التى تستعمل فى الركوب والنحر وغيرهما . لأن الله - تعالى - قد جعلها معجزة لنبيه صالح - عليه السلام - ولم يجعلها كغيرها .
وقد ذكر بعض المفسرين من صفات هذه الناقة وخصائصها . ما لا يؤيده نقل صحيح ، لذا أضربنا عن كل ذلك صفحا ، ونكتفى بأن تقول : بأنها كانت ناقة ذات صفات خاصة مميزة ، تجعل قوم صالح يعلمون عن طريق هذا التمييز لها عن غيرها أنها معجزة دالة على صدق نبيهم - عليه السلام - فيما يدعوهم إليه .
وقوله : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } أمر لهم بعدم التعرض لها بسوء وتحذير لهم من نتائج مخالفة أمره .
أى : اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل فى أرض الله الواسعة ؛ ومن رزقه الذى تكفل به لكل دابة ، واحذورا أن تمسوها بشئ من السوء مهما كان قليلا ، فإنكم لو فعلتم ذلك عرضتم أنفسكم لعذاب الله العاجل القريب .
والتعبير بقوله { فَيَأْخُذَكُمْ } بفاء التعقيب وبلفظ الأخذ ، يفيد سرعة الأخذ وشدته ، لأن أخذه - سبحانه - أليم شديد .
( ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ، فذروها تأكل في أرض الله ، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب )
ولا يذكر السياق صفة لهذه الناقة التي أشار إليها صالح لتكون آية لهم وعلامة . ولكن في إضافتها لله : ( هذه ناقة الله ) وفي تخصيصها لهم : ( لكم آية ) ما يشير إلى أنها كانت ذات صفة خاصة مميزة ، يعلمون بها أنها آية لهم من الله . ونكتفي بهذا دون الخوض في ذلك الخضم من الأساطير والإسرائيليات التي تفرقت بها أقوال المفسرين حول ناقة صالح فيما مضى وفيما سيجيء !
( هذه ناقة الله لكم آية . فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) . .
وإلا فيعالجكم العذاب . يدل على هذه المعاجلة فاء الترتيب في العبارة . ولفظ قريب :
وتقدم الكلام على هذه القصة مستوفى في سورة " الأعراف " {[14717]} بما أغنى عن إعادته ها هنا ، وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : { ويا قوم هذه ناقة الله } الآية ، اقتضب في هذه الآية ذكر أول أمر الناقة ، وذلك أنه روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان ، فأخرج الله ، جلت قدرته ، لهم الناقة من الجبل ، وروي أنهم اقترحوا تعيين خروج الناقة من تلك الصخرة ، فروي أن الجبل تمخض كالحامل ، وانصدع الحجر ، وخرجت منه ناقة بفصيلها ، وروي أنها خرجت عشراء ، ووضعت بعد خروجها ، فوقفهم صالح وقال لهم : { هذه ناقة الله لكم آية } ، ونصب { آية } على الحال .
وقرأت فرقة «تأكلْ » بالجزم على جواب الأمر ، وقرأت فرقة : «تأكلُ » على طريق القطع والاستئناف ، أو على أنه الحال من الضمير في { ذروها } .
وقوله { ولا تمسوها بسوء } عام في العقر وغيره ، وقوله : { فيأخذكم عذاب قريب } هذا بوحي من الله إليه أن قومك إذا عقروا الناقة جاءهم عذاب قريب المدة من وقت المعصية ، وهي الأيام الثلاثة التي فهمها صالح عليه السلام من رغاء الفصيل على جبل القارة .
هذا جواب عن قولهم : { وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب } [ هود : 62 ] فأتاهم بمعجزة تزيل الشك .
وإعادة { ويا قوم } لمثل الغرض المتقدّم في قوله في قصة نوح { ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم } [ هود : 30 ] .
والإشارة بهذه إلى الناقة حين شاهدوا انفلاق الصّخرة عنها .
وإضافة النّاقة إلى اسم الجلالة لأنّها خُلقت بقدرة الله الخارقة للعادة .
و { آية } و { لكم } حالان من ناقة ، وتقدّم نظير هذه الحال في سورة الأعراف . وستجيء قصة في إعرابها عند قوله تعالى : { وهذا بعلي شيخاً } في هذه السورة : [ 72 ] .
وأوصاهم بتجنب الاعتداء عليها لتوقّعه أنّهم يتَصَدّون لها من تصلبهم في عنادهم . وقد تقدّم عقرها في سورة الأعراف .