روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَيَٰقَوۡمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٞ قَرِيبٞ} (64)

{ وياقوم هذه نَاقَةُ الله } الإضافة للتشريف والتنبيه على أنها مفارقة لسائر ما يجانسها خلقاً وخلقاً { لَكُمْ ءايَةً } معجزة دالة على صدقي في دعوى النبوة ، وهي حال من { نَاقَةُ الله } ، والعامل ما في اسم الإشارة من معنى الفعل .

وقيل : معنى التنبيه ، والظاهر أنها حال مؤسسة ، وجوز فيها أن تكون مؤكدة كهذا أبوك عطوفاً لدلالة الإضافة على أنها آية ، و { لَكُمْ } كما في «البحر » . وغيره حال منها فقدمت عليها لتنكيرها ولو تأخرت لكانت صفة لها ، واعترض بأن مجىء الحال من الحال لم يقل به أحد من النحاة لأن الحال تبين هينة الفاعل أو المفعول وليست الحال شيئاً منهما ، وأجيب بأنها في معنى المفعول للإشارة لأنها متحدة مع المشار إليه الذي هو مفعول في المعنى ولا يخفى ما فيه من التكلف ، وقيل : الأولى أن يقال : إن هذه الحال صفة في المعنى لكن لم يعربوها صفة لأمر تواضع النحويون عليه من منع تقدم ما يسمونه تابعاً على المتبوع فحديث إن الحال تبين الهيئة مخصوص بغير هذه الحال ، واعترض بأن هذا ونحوه لا يحسم مادة الاعتراض لأن المعترض نفى قول أحد من النحاة بمجىء الحال من الحال ، وبما ذكر لا يثبت القول وهو ظاهر ، نعم قد يقال : إن اقتصار أبي حيان . والزمخشري وهما من تعلم في العربية على هذا النحو من الإعراب كاف في الغرض على أتم وجه ، وأراد الزمخشري بالتعلق في كلامه التعلق المعنوي لا النحوي فلا تناقض فيه على أنه بحث لا يضر .

وقيل : { لَكُمْ } حال من { نَاقَةُ } و { ءايَةً } حال من الضمير فيه فهي متداخلة ، ومعنى كون الناقة للمخاطبين أنها نافعة لهم ومختصة بهم وهي منافعها فلا يرد أنه لا اختصاص لذات الناقة بهم ، وإنما المختص كونها آية لهم ، وقيل : { لَكُمْ } حال من الضمير في { ءايَةً } لأنها بمعنى المشتق ، والأظهر كون { لَكُمْ } بيان من هي { ءايَةً } له ، وجوز كون { نَاقَةُ } بدلاً أو عطف بيان من اسم الإشارة ، و { لَكُمْ } خبره ، و { ءايَةً } حال من الضمير المستتر فيه { فَذَرُوهَا } دعوها { تَأْكُلْ في أَرْضِ الله } فليس عليكم مؤنتها والفعل مجزوم لوقوعه في جواب الطلب ، وقرىء بالرفع على الاستئناف أو على الحال كما في «البحر » والمتبادر من الأكل معناه الحقيقي لكن قيل : في الآية اكتفاءاً أي تأكل وتشرب ، وجوز أن يكون مجازاً عن التغذي مطلقاً والمقام قرينة لذلك .

{ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } أي بشيء منه فضلاً عن العقر والقتل ، والنهي هنا على حدّ النهي في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم } [ الأنعام : 152 ] الخ { فَيَأْخُذَكُمْ } لذلك { عَذَابٌ قَرِيبٌ } عاجل لا يستأخر عن مسكم إياها بسوء إلا يسيراً وذلك ثلاثة أيام ثم يقع عليكم ، وقيل : أراد من وصفه بالقرب كونه في الدنيا ، وإلى الأول ذهب غير واحد من المفسرين وكان الإخبار عن وحي من الله تعالى .