بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَيَٰقَوۡمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٞ قَرِيبٞ} (64)

ثم قال تعالى : { يا قوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : « إنَّ صَالِحاً ، لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ إلى الإسلامِ كَذَّبُوهُ ، فَضَاقَ صَدْرُهُ ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أنْ يَأذَنَ لَهُ بِالخُرُوج مِنْ عِنْدِهِمْ ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ وَانْتَهَى إلى سَاحِلِ البَحْرِ ، فَإذا رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى المَاءِ ، فقالَ لهُ صَالحٌ : وَيْحَكَ مَنْ أنْتَ ؟ فقالَ : أنا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ . قالَ : كُنْتُ في سَفِينَةٍ كَانَ قَوْمُهَا كَفَرَةً غَيْرِي ، فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَنَجَّانِي مِنْهُم ، فَخَرَجْتُ إلى جَزِيرَةٍ أتَعَبَّدُ هُناكَ ، فَأَخْرُجُ أحْيَاناً وَأطْلُبُ شَيْئاً مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ أرْجِعُ إلى مَكَانِي فَمَضَى صَالِحٌ ، وَانْتَهَى إلى تَلَ عَظِيم ، فَرَأَى رَجُلاً يَتَعَبَّدُ ، فَانْتَهَى إلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ، فقالَ لَهُ صَالِحٌ مَنْ أنْتَ ؟ قال : كَانَتْ هاهُنَا قَرْيَةٌ ، كانَ أهْلُهَا كُفّاراً غَيْرِي ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تعالى ، وَنَجَّانِي مِنْهُم ، فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أنْ أَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى هاهنا إلى المَوْتِ ، وَقَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِي شَجَرَةَ رُمَّانٍ ، وَأَظْهَرَ لِي عَيْنَ ماءٍ ، فآكُلُ مِنَ الرُّمَّانِ ، وَأشْرَبُ مِنْ ماءِ العَيْن ، وَأَتَوَضّأ مِنْهُ . فَذَهَبَ صالحٌ ، وَانْتَهَى إلى قَرْيَةٍ كانَ أَهْلُها كُفَّاراً كُلُّهُمْ ، غَيْرَ أَخَوَيْن مُسْلِمَيْنِ يَعْمَلان عَمَلَ الخُوصِ فَضَرَبَ النبي صلى الله عليه وسلم : مثلاً قال : لَوْ أنَّ مُؤْمِناً دَخَلَ قَريَةً فِيها ألفُ رَجُلٍ ، كُلُّهُمْ كُفّارٌ ، وفِيهَا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ ، فلا يَسْكُنُ قَلْبُهُ مَعَ أحَدٍ ، حَتَّى يَجِد المُؤْمِنَ . وَلَوْ أنَّ مُنَافِقاً دَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا أَلْفُ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ ، وَمُنَافِقٌ وَاحِدٌ ، فلا يَسْكُنُ قَلْبُ المُنَافِقِ مَعَ أحَدٍ ، ما لَمْ يَجِدِ المُنَافِقَ .

فَدَخَلَ صَالِحٌ ، فانتهى إلى الأَخَوَيْن ، وَمَكَثَ عِنْدَهُمَا أياماً . وَسَأَلَهُمَا عَنْ حَالِهِمَا ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا يَصْبِرَانِ عَلَى إيذاءِ المُشْركِينَ ، وَأَنَّهُمَا يَعْمَلانِ عَمَلَ الخُوصِ ، وَيُمْسِكانِ قُوتَهُمَا ، وَيَتَصَدَّقَانِ بِالفَضْلِ . فَقالَ صَالِحٌ : الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أرَانِي في الأرض مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ، الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى أذَى الكُفَّارِ ، فأنا أرْجِعُ إلى قَوْمِي ، وَأَصْبِرُ عَلَى أذاهُمْ . فَرَجَعَ إليْهِمْ ، وَقَدْ كانُوا خَرَجُوا إلى عِيدِ لَهُمْ فَدَعَاهُمْ إلى الإيمانِ فَسَألُوا مِنْهُ أنْ يُخْرِجَ لَهُمْ نَاقَةً مِنَ الصَّخْرَةِ ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى ، فَأخْرَجَ لَهُمْ ناقةً عُشَرَاءَ » .

فذلك قوله : { مّن رَّبّكُمْ هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً } أي : علامة وعبرة ، { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله } يعني : في أرض الحجر { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } يعني : لا تعقروها { فَيَأْخُذَكُمْ } ، يعني : يصيبكم { عَذَابٌ قَرِيبٌ } .

فولدت الناقة ولداً وكانت لهم بئر واحدة عذبة ، قال ابن عباس : كان للناقة شرب يوم لا يقربونها ، ولهم شرب يوم ، وهي لا تحضرها ، وكانوا يستقون الماء في يومهم ما يكفيهم للغد ، فيقسمونه فيما بينهم ، فإذا كان يوم شربها ، كانت ترتع في الوادي ، ثم تجيء إلى البئر ، فتبرك ، فتدلي رأسها في البئر ، فتشرب منها ، ثم تعود فترعى ، ثم تعود إلى البئر ، فتشرب منها ، فتفعل ذلك نهارها كله .