اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَٰقَوۡمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٞ قَرِيبٞ} (64)

قوله تعالى : { ويا قوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً } الآية .

" لَكُمْ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " آيةً " ؛ لأنَّهُ لو تأخَّرَ لكان نَعْتاً لها ، فلمَّا قُدِّم انتصب حالاً .

قال الزَّمخشريُّ{[18856]} : فإن قلت : بِمَ تتعلَّقُ " لَكُمْ " ؟ قلتُ : ب " آيَةٌ " حالاً منها متقدمة ، لأنَّها لو تأخَّرت لكانت صفة لها ، فلما تقدَّمت انتصبت على الحالِ .

قال أبُو حيَّان : وهذا متناقضٌ لأنَّهُ من حيثُ تعلق " لكُم " ب " آية " كان معمولاً ل " آية " وإذا كان معمولاً لها امتنع أن يكون حالاً منها ، لأنَّ الحال تتعلَّقُ بمحذوفٍ .

قال شهابُ الدِّين - رحمه الله - : ومثلُ هذا كيف يعترض به على مثلِ الزمخشري بعد إيضاحه المعنى المقصود بأنه التعلُّقُ المعنويُّ ؟ .

و " آيةً " نصب على الحالِ بمعنى علامة ، والنَّاصبُ لها : إمَّا " ها " التَّنبيه ، او اسمُ الإشارة ، لما تضمَّناهُ من معنى الفعل ، أو فعلٍ محذوف .

فصل

اعلم أنَّ العادة فيمن يدَّعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام لا بُدَّ وأن يطلبوا منه معجزة ، فطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من صخرةٍ معينةٍ ، فدعا صالحٌ ؛ فخرجت ناقة عشراء ، وولدت في الحال ولداً مثلها .

وهذه معجزة عظيمة من وجوه :

الأول : خلقُهَا من الصَّخْرة .

وثانيها : خَلْقُها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل .

وثالثها : خلقها على تلك الصُّورة دفعة واحدة من غير ولادة .

ورابعها : أنَّهُ كان لها شرب يوم .

وخامسها : أنه كان يحصلُ منها لبنٌ كثير يكفي الخلق العظيم .

ثم قال : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله } من العشب ، والنبات ، فليس عليكم مؤنتها .

وقرىء " تأكلُ " بالرفع : إمَّا على الاستئناف ، وإمَّا على الحالِ .

{ وَلاَ تَمَسُّوهَا بسوء } ، ولا تصيبوها بعقر " فيَأخُذَكُمْ " إن قتلتموها " عذابٌ قريبٌ " يريد اليوم الثالث .


[18856]:ينظر: الكشاف 2/408.