{ إن الأبرار } يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم ، واحدهم بار ، مثل : شاهد وأشهاد ، وناصر وأنصار ، وبر أيضاً مثل : نهر وأنهار ، { يشربون } في الآخرة ، { من كأس } فيه شراب { كان مزاجها كافورا } قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك . قال عكرمة : { مزاجها } طعمها ، وقال أهل المعاني : أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده ، لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله : { حتى إذا جعله ناراً }( الكهف- 96 ) أي كنار . وهذا معنى قول قتادة ومجاهد : يمازجه ريح الكافور . وقال ابن كيسان : طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل . وقال عطاء والكلبي : الكافور اسم لعين ماء في الجنة .
وأما { الْأَبْرَارِ } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته ، والأخلاق الجميلة ، فبرت جوارحهم{[1305]} ، واستعملوها بأعمال البر أخبر أنهم { يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ } أي : شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي : خلط به ليبرده ويكسر حدته ، وهذا الكافور [ في غاية اللذة ] قد سلم من كل مكدر ومنغص ، موجود في كافور الدنيا ، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة{[1306]} .
كما قال تعالى : { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } { وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ } { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } .
ثم بين - سبحانه - ما أعده للمؤمنين الصادقين من خير عميم فقال : { إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } .
والأبرار : جمع بَرٍّ أو بَارٍّ . وهو الإِنسان المطيع لله - تعالى - طاعة تامة ، والمسارع فى فعل الخير ، والشاكر لله - تعالى - على نعمه .
والكأس : هو الإِناء الذى توضع فيه الخمر ، ولا يسمى بهذا الاسم إلا إذا كانت الخمر بداخله ، ويصح أن يطلق الكأس على الخمر ذاتها على سبيل المجاز ، من باب تسمية الحال باسم الحال ، وهو المراد هنا . لقوله - تعالى - { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } و " من " للتبعيض .
والضمير فى قوله { مِزَاجُهَا } يعود إلى الكأس التى أريد بها الخمر ، والمراد " بمزاجها " خليطها من المزج بمعنى الخلط يقال : مزجت الشئ بالشئ ، إذا خلطته به .
والكافور : اسم لسائل طيب الرائحة ، أبيض اللون ، تميل إليه النفوس .
أى : إن المؤمنين الصادقين ، الذين أخلصوا لله - تعالى - الطاعة والعبادة والشكر . . يكافئهم - سبحانه - على ذلك ، بأن يجعلهم يوم القيامة فى جنات عالية ، ويتمتعون بالشراب من خمر ، هذه الخمر كانت مخلوطة بالكافور الذى تنتعش له النفوس ، وتحبه الأرواح والقلوب ، لطيب رائحته ، وجمال شكله .
ثم يسارع السياق إلى رخاء النعيم :
( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) . .
وهذه العبارة تفيد أن شراب الأبرار في الجنة ممزوج بالكافور ، يشربونه في كأس تغترف من عين تفجر لهم تفجيرا ، في كثرة ووفرة . . وقد كان العرب يمزجون كؤوس الخمر بالكافور حينا وبالزنجبيل حينا زيادة في التلذذ بها ، فهاهم أولاء يعلمون أن في الجنة شرابا طهورا ممزوجا بالكافور ، على وفر وسعة . فأما مستوى هذا الشراب فمفهوم أنه أحلى من شراب الدنيا ، وأن لذة الشعور به تتضاعف وترقى ، ونحن لا نملك في هذه الأرض أن نحدد مستوى ولا نوعا للذة المتاع هناك . فهي أوصاف للتقريب . يعلم الله أن الناس لا يملكون سواها لتصور هذا الغيب المحجوب .
والتعبير يسميهم في الآية الأولى( الأبرار )ويسميهم في الآية الثانية ( عباد الله ) . . إيناسا وتكريما وإعلانا للفضل تارة ، وللقرب من الله تارة ، في معرض النعيم والتكريم .
ولما ذكر ما أعده{[29588]} لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده : { إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة ، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة .
قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ؛ ولهذا قال : { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }
و { الأبرار } جمع بار كشاهد وأشهاد ، وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر ، ولا يرضون الشر ، و «الكأس » : ما فيه نبيذ ونحوه مما يشرب به ، قال ابن كيسان : ولا يقال الكأس إلا لما فيه نبيذ ونحوه ، ولا يقال ظعينة إلا إذا كان عليها امرأة ولا مائدة إلا وعليها طعام وإلا فهي خوان . والمزاج : ما يمزج به الخمر ونحوها ، وهي أيضاً مزاج له لأنهما تمازجاً مزاجاً ، قال بعض الناس : «المزاج » نفس الكافور ، وقال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك ، وقال الفراء : يقال إنه في الجنة عين تسمى { كافوراً } وقال بعض المتأولين إنما أراد { كافوراً } في النكهة والعرف كما تقول إذا مزجت طعاماً هذا الطعام مسك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.