قوله تعالى : { وقطعناهم } ، فرقناهم .
قوله تعالى : { في الأرض أمما } ، فرقا فرقهم الله ، فتشتت أمرهم ، فلم تجتمع لهم كلمة . قوله تعالى : { منهم الصالحون } ، قال ابن عباس ومجاهد : يريد الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به .
قوله تعالى : { ومنهم دون ذلك } ، يعني الذين بقوا على الكفر . وقال الكلبي : { منهم الصالحون } هم الذين وراء نهر أوداف من وراء الصين ، { ومنهم دون ذلك } ، يعني : من هاهنا من اليهود .
قوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات } ، بالخصب والعافية .
قوله تعالى : { والسيئات } ، الجدب والشدة .
قوله تعالى : { لعلهم يرجعون } ، لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا .
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا أي : فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد ما كانوا مجتمعين ، مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ القائمون بحقوق اللّه ، وحقوق عباده ، وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ أي : دون الصلاح ، إما مقتصدون ، وإما ظالمون لأنفسهم ، وَبَلَوْنَاهُمْ على عادتنا وسنتنا ، بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ أي : بالعسر واليسر .
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عما هم عليه مقيمون من الردى ، يراجعون ما خلقوا له من الهدى ،
{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً } إخبار عن عقوبة أخرى من عقوباتهم المتنوعة بسبب كفرهم وجحودهم ، وتتمثل هذه العقوبة في تفريقهم في الأرض ، وتمزيقهم شر ممزق حتى لا تكون لهم شوكة .
و { أُمَماً } حال من مفعول { وَقَطَّعْنَاهُمْ } أو مفعول ثان لقطعناهم على أنه بمعنى صيرناهم .
أى : أن هؤلاء اليهود قد مزقناهم في الأرض شر ممزق بسبب عصيانهم وفسوقهم ، وصيرناهم فرقا متقطعة الأوصال ، مشتتة الأهواء . وقوله { مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } بيان حالهم .
أى : من هؤلاء اليهود قلة آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فصلح حالها ، وحسنت عاقبتها ، ومنهم كثرة منحطة عن رتبة أولئك المؤمنين الصالحين ، بسبب فسوقهم عن أمر الله ، وانتهاكهم لحرماته .
والجملة من المبتدأ والخبر ، في موضع نصب على أنها صفة ل { أُمَماً } .
وقوله { وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } الجار والمجرور خبر مقدم { دُونَ ذلك } نعت لمنعوت محذوف هو المبتدأ والتقدير : ومنهم ناس أو جماعة دون ذلك .
وهذه الجملة الكريمة تدل على أن القرآن الكريم يستعمل الإنصاف والعدالة وتقرير الحقائق مع أعدائه وأتباعه على السواء ، فهو يمدح من يستحق المديح ، ويذم من هو أهل الذم ، وما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى التخلق بهذه الأخلاق .
وقوله - تعالى - { وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أى عاملناهم معاملة المبتلى الممتحن تارة بالنعم الكثيرة كالصحة والخصب وسعة الأرزاق ، وتارة بالنقم المتنوعة كالجدب والأمراض والشدائد ، لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم ، ويتركون ما نهوا عنه من المعاصى والسيئات .
يقال : بلاه يبلوه بلوا ، وابتلاه ابتلاء ، إذا جربه واختبره ، ولقد كانت نتيجة هذا الابتلاء والاختبار أن تكشفت الحقائق عن أن الكثرة من بنى إسرائيل سلكت طريق الضلالة والغواية ، والقلة هى التي آمنت وأصلحت ولذا عاقب الله تلك الكثرة بالعقوبة التي تناسبها جزاءً وفاقا .
هذا ، وما أخبر به القرآن من أن الله - تعالى - قد توعد بنى إسرائيل وأخبرهم بأنه سيسلط عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب بسبب كفرهم وفسوقهم قد شهد بصدقه التاريخ ، وأيدته الحوادث ، وهذه نماذج قليلة من تلك العقوبات التي نزلت بهم في الأزمنة المختلفة .
أولا : بعد وفاة سليمان - عليه السلام - حوالى سنة 975 ق . م انقسمت مملكته إلى قسمين : مملكة الشمال ، واسمها ( إسرائيل ) ومقرها ( السامرة ) وتتكون من الأسباط العشرة .
ومملكة الجنوب واسمها ( يهوذا ) ومقرها ( أورشليم ) وتتكون من سبطى يهوذا وبنيامين .
وقد استمرت المنازعات بين المملكتين مدة طويلة ، انتهت بانقضاض ( سرجون ) ملك آشور على مملكة الشمال ( إسرائيل ) سنة 721ق . م فقتل الآلاف من رجالها ، وأسر البقية منهم فرحلهم إلى ما وراء نهر الفرات ، وقضى على هذه المملكة قضاء لم تقم لها بعده قائمة .
وأما مملكة الجنوب ( أورشليم ) فقد حاولت أن تتشبث بالبقاء ، ولكن معاول الهدم غزتها من الشرق ومن الجنوب وكانت نهايتها على يد بختنصر البابلى سنة 586ق . م .
ويصور أحد الكتاب الغربيين قصة النكبات التي أدت إلى زوال مملكة ( يهوذا وإسرائيل ) فيقول : ( هى قصة نكبات وقصة تحررات لا تعود عليهم إلا بإرجاء النكبة القاضية ، هى قصة ملوك همج يحكمون شعبا من الهمج ، حتى إذا وافت سنة 721ق . م " محت يد الأسر الأشورى مملكة إسرائيل من الوجود ، وزال شعبها من التاريخ زوالا تاما ، وظلت مملكة يهوذا تكافح حتى أسقطها البابليون سنة 856ق . م .
ثانيا : استرد اليهود بعض أنفاسهم بعد وقوعهم تحت حكم الفرس من حوالى سنة 536 إلى سنة 332ق .
م . سار إليهم ( بطليموس ) خليفة الإسكندر ، فهدم القدس ، ودك أسوارها ، وأرسل منهم مائة ألف أسير إلى مصر ، لأنهم ثاروا عليه .
ثالثاً : في سنة 20ق . م تقريبا ، وقع اليهود تحت سيطرة السلوقيين السوريين بعد انتصارهم على البطالسة ، ورأى بعض الحكام السلوقيين من اليهود تمرداً وعصيانا ، فأنزلوا بهم أشد العقوبات في عدة مواقع ، وكان من أبرز المنكلين باليهود ( انطو خيوس ) ما يبن سنة 170 . وسنة 168ق . م فقد هاجم ( أورشليم ) وهدم أسوارها وهيكلها . ونهب ما فيها من أموال وقتل من أهلها أربعين ألفا في ثلاثة أيام وباع مثل ذلك العدد عبيدا منهم ولم يفلت من يده إلا اليهود الذين هربوا إلى الجبال ، وقد أقام ( أنطو خيوس ) قمة على أحد الجبال ليشاهد منها كل من يقترب من اليهود إلى أورشليم ليقتله ، وقد وصل به الحال أنه أكره عدداً كبيراً منهم على ترك الديانة اليهودية وجعل هيكلهم في أورشليم معبدا لإلهه .
رابعاً : وفى سنة 63ق . م أغار الرومان بقيادة ( بامبيوس ) على أورشليم فاحتلوها ، واستمر احتلالهم حتى سنة 614م . وخلال احتلال الرومان لفلسطين قام اليهود بعدة ثورات باءت كلها بالفشل ، ولقوا بسبب تمردهم وعصيانهم من الرومان ألوانا من القتل والسبى والتشريد .
كان من أشهرها ما أنزله بهم " تيطس الرومانى " سنة 70م فقد اقتحم في هذه السنة أورشليم فدمرها تدميراً ، وقتل الآلاف من اليهود وأحرق هيكلهم .
خامساً : بعد هذه النماذج التي سقناها لما أنزله الرومان من عقوبات على اليهود ، نتابع سيرنا في سرد بعض العقوبات التي أنزلها المسلمون باليهود بسبب بغيهم وخياناتهم فنقول : بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، عامل اليهود القاطنين والمجاورين لها معاملة طيبة ، وعقد معهم معاهدة ضمنت لهم حقوقهم ولكنهم نقضوا عهودهم ، ولم يتركوا وسيلة من وسائل الكيد للإسلام والمسلمين إلا فعلوها ، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثنيهم عن جحودهم وبغيهم ولكنهم لم يستجيبوا له . فعاقب صلى الله عليه وسلم كل طائفة منهم بالعقوبة التي تناسب جرمهم وخيانتهم وتكفل للمسلمين أن يعيشوا في مأمن من شرورهم ، ومن بين العقوبات التي أنزلها النبى صلى الله عليه وسلم بهم إجلاؤه لبنى قينقاع ولبنى النضير عن المدينة ، وقتله لبنى قريظة وإهداره لدم بعض كبرائهم ككعب بن الأشرف وسلام بن ابى الحقيق ، ومحاربته ليهود خيبر ومصالحته لهم بعد مقتل عدد كبير منهم ، ورفعهم راية الأمان ، والاستسلام ، وقبولهم الشروط التي اشترطها عليهم النبى صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان من آخر الكلمات التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قوله موصيا أصحابه ( أخرجوا اليهود من جزيرة العرب لا يبقى في جزيرة العرب دينان ) .
وفى عهد عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - تم إخراج جميع اليهود من جزيرة العرب ، استجابة لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم .
سادساً : وفى ختام عرضنا لبعض العقوبات التي نزلت باليهود في الأزمنة المختلفة جزاء إجرامهم وإثارتهم للفتن نسوق بعض الأمثلة لما حل بهم على أيدى بعض الدول الأوربية .
( أ ) ففى بريطانيا : لقى اليهود في بعض العهود ألواناً من التعذيب ، وصنوفاً من القتل والتشريد .
1 - من ذلك أن الملك الإنجيزى ( يوحنا ) أصدر أمرا بحبسهم في جميع أنحاء مملكته .
وفى سنة 1328م جأر الشعب البريطانى بالشكوى من اليهود ، فأصدر الملك ادوارد الاول أمرا بطرد اليهود من جميع البلاد البريطانية في غضون ثلاثة أشهر ، إلا أن الشعب البريطانى لم يصبر على اليهود حتى تنقضى تلك المدة ، بل أخذ يقتل منهم العشرات والمئات وفى قلعة ( بورك ) التي احتمى بها عدد كبير من اليهود أحرق الإنجليز أكثر من خمسمائة يهودى وقد اضطر الملك إلى ترحيلهم قبل انقضاء المدة لئلا يفتك الشعب بهم جميعا في كل مكان ، وظلت بريطانيا خالية من اليهود طوال ثلاثة قرون تقريبا . ولكن عادوا إليها سنة 1656م في عهد الطاغية ( كرومويل ) الذي اغتصب الملك ( شارل الأول ) بعد أن قدم له اليهود الأموال الطائلة في سبيل بلوغ أغراضه .
( ب ) وفى فرنسا : تعرض اليهود في أزمنة مختلفة لنقمة الشعب الفرنسى وغضبه ، لأنهم دمروا اقتصاده الوطنى ، وخنقوه بالربا الفاحش ، والمعاملات السيئة .
1 - ففى عهد ( لويس التاسع ) تدهورت الحالة الاقتصادية في فرنسا فأصدر أمرا بإلغاء ثلث ما لليهود على الفرنسيين من ديون ، ثم أصدر أمرا بإحراق جميع كتبهم المقدسة ، وخاصة التلمود . وقد قال أحد المؤرخين إنهم أحرقوا في باريس وحدها محمول أربع وعشرين مركبة من نسخ التلمود وغيرها ) .
2 - وخلال تولى ( فيليب الجميل ) حكم فرنسا . أنزل الفرنسيون باليهود صنوفا من القتل والنهب والتشريد ، ثم طردوا من فرنسا نهائيا ، ولكنهم عادوا إليها بعد أن دفعوا ( لفيليب ) ثلثى الديون التي لهم في فرنسا .
3 - وفى سنة 1321م هاجمهم الشعب الفرنسى وذبح عددا كبيرا منهم ، ونكل بهم تنكيلا شديدا ، ثم طردوا من فرنسا بعد أن نهبت أموالهم ولم يستطيعوا العودة إليها إلا في أواسط القرن السادس عشر .
4 - وفى أوائل القرن التاسع عشر حاول ( نابليون ) أن يستغلهم لبلوغ مطامعه ، ولكنهم خانوه ، فاحتقرهم ، وبطش بعدد منهم ، وقال عنهم إنهم حثالات البشر وجراثيمه .
ولم ينج اليهود من بطش الشعب الفرنسى إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين .
( ج ) وفى إيطاليا ، حاربهم البابوات حربا شعواء وأطلقوا عليهم اسم ( الشعب المكروه ) وأغروا الشعب الإيطالى بهم فأعمل فيهم القتل والتشريد وقد أصدر البابوات مراسيم عديدة لتكفير اليهود وتسفيه ديانتهم القائمة على التلمود .
وفى سنة 1242م أعلن البابا ( جريجورى ) التاسع اتهامات صريحة ضد التلمود الذي يطعن في المسيح والمسيحية ، وأصدر أوامره بإحراقه فأحرقت جميع نسخه .
وفى سنة 1540 ثار الشعب الإيطالى على اليهود ثورة عارمة قتل فيها الآلاف منهم وطردوا من بقى حيا خارج إيطاليا .
( د ) وفى أسبانيا : ذاق اليهود من الشعب الأسبانى وملوكه صنوف الذل وألوان الهوان ، ولم يظفروا بالراحة إلا في أيام الحكم الإسلامى لأسبانيا . ولنكتف بذكر عقوبة واحدة من العقوبات المتعددة التي نزلت بهم في تلك البلاد .
فى عهد الملك ( فرديناند ) وزوجته ( إيزابلا ) وصلت موجة السخط على اليهود أقصاها ؛ لتغلغلهم في الحياة الأسبانية ، واستيلائهم على اقتصادها وإشعالهم نار الخلافات الدينية بين الطوائف . . . فرأى الملك وزوجته أن خير وسيلة لوقاية البلاد من شرورهم هى طردهم من أسبانيا طردا نهائيا .
وفى 31 من مارس سنة 1952 صدر المرسوم التالى عن الملك ( فرديناند ) : ( يعيش في مملكتنا عدد غير قليل من اليهود ، ولقد أنشأنا محاكم التفتيش منذ اثنتى عشرة سنة . وهى تعمل دائما على توقيع العقوبة على المذنيين ، وبناء على التقارير التي رفعتها لنا محاكم التفتيش ، ثبت أن الصدام الذي يقع بين المسيحيين واليهود يؤدى إلى ضرر عظيم ، ويؤدى بالتالى إلى القضاء على المذهب الكاثوليكى ، ولذا قررنا نفى اليهود ذكورا وإناثا خارج حدود مملكتنا وإلى الأبد وعلى اليهود جميعا الذين يعيشون في بلادنا وممتلكاتنا ومن غير تميز في الجنس أو الأعمال أن يغادروا البلاد في غضون فترة أقصاها نهاية يوليو من نفس العام ، وعليهم ألا يحاولوا العودة تحت أى ظرف أو سبب .
وبمقتضى هذا القرار طرد اليهود شر طردة من أسبانيا بعد أن أرغموا على ترك ذهبهم ونقودهم ، وبعد أن نفثوا سمومهم في أسبانيا زهاء سبعة قرون وكان عددهم عندما خرجوا منها مطرودين يبلغ نصف مليون نسمة ويعتبر بعض اليهود هذا القرار وما تلاه من طرد وتشريد أسوأ من خراب أورشليم .
( ه ) وفى روسيا : كان يعيش نصف يهود العالم تقريبا خلال القرن التاسع عشر وقد استعملوا طول مدة إقامتهم في روسيا كل وسائلهم الخبيثة للتدمير والتخريب ، ففتحوا الحانات وتاجروا في الخمور ، وأقرضوا بالربا الفاحش ، واستولوا على الكثير من أموال الدولة بالطرق المحرمة ، وقتلوا الكثير من أبناء الشعب الروسى عندما مكنتهم الظروف من ذلك وكونوا الجمعيات السرية التي عملت على هدم نظام الحكم القيصرى واستمرت في نشاطها حتى أزالته بواسطة الثورة الشيوعية في سنة 1917م هذه الثورة التي كان معظم قوادها من اليهود . ولم ينس الروس لليهود ما قاموا به نحوهم من عدوان واستغلال ، فانقضوا عليهم عدة مرات للتخلص منهم وأعملوا فيهم الذبح والقتل بلا رحمة ، وكان من أبرز المذابح التي أوقعها الروس باليهود مذبحة سنة 1881م ومذبحة سنة 1882م فقد حاول الفلاحون الروس أن يدمروا اليهود تدميرا في هاتين السنتين .
وعندما نشر الكتاب الروسى ( نيلوس ) نسخا قليلة من ( بروتوكولات حكماء صهيون ) نسة 1602م التي تفضح نيات اليهود الإجرامية تجاه العالم أجمع ، جن جنونهم خوفا وفزعا .
وعمت المذابح ضدهم في روسيا حتى لقد قتل منهم في إحداها نحو عشرة آلاف يهودى .
( و ) وفى ألمانيا : انتشر اليهود في كثير من مدنها منذ القرن الثامن الميلادى ، وسكنوا على ضفاف نهر الراين . واستغلوا الشعب الألمانى أسوأ استغلال حتى كادوا يستولون على أمواله عن طريق الربا الفاحش واستخدام الوسائل المختلفة لجمع المال الحرام . ولقد هاج الشعب الألمانى ضدهم في أوقات مختلفة ، واستعمل معهم كل وسائل القتل والسلب والطرد .
يقول صاحب كتاب ( تاريخ الإسرائيليين ) وظل القتل والذبح منتشرا في اليهود إلى أن صدرت الأوامر بطردهم من أنحاء - ألمانيا - في أزمنة متتابعة ، وذلك ما بين القرنين الثانى عشر والرابع عشر ، حتى لم يكد يبقى منهم واحدا فيها ) .
وكان آخر ما لاقوه من عذاب وتقتيل وتشريد على يد " هتلر " ابتداء من توليه الحكم في ألمانيا سنة 1933 إلى أن سقط حكمه سنة 1945 .
وفى كل البلاد التي نزل بها اليهود ، تعرضوا لنقمة السكان وغضبهم وازدرائهم ، يستوى في ذلك تاريخهم القديم والوسيط والحديث ، لقد أنزل العالم بهم ضربات قاصمة ، وعقوبات صارمة ، شملت التنكيل والطرد والسجن والقتل ومصادرة الأموال .
ويقرر أحد الكتاب الغربيين أن كل الأمم المسيحية اشتركت في اضطهاد اليهود وإنزال مختلف العقوبات بهم ، وكانت القسوة مع اليهود تعد مأثرة يمتدح المسيحيون بعضهم بعضا عليها .
هذا ، والشىء الذي نؤكده بعد سرد هذه النماذج من العقوبات التي نزلت باليهود في مختلف العصور والأمم ، هو أن اليهود هم المسئولون عن كل اضطهاد وقع بهم ، وأنهم مستحقون لهذه العقوبات لأسباب من أهمها :
أولا : أنانيتهم وأطماعهم التي لا حدود لها " فقد سوغت لهم أنانيتهم أن العالم ملك لهم بكل من فيه وما فيه ، وأن عليهم متى حلوا في أى دولة أن ينهبوا خيراتها بكل وسيلة وإن يجمعوا أموالها بأى طريقة ، فإن المال هو معبود اليهود من قديم .
وأنانية اليهود وجشعهم وأكلهم أموال الناس بالباطل ، جعلهم محل نقمة العالم وغضبه ، ولقد فطن بعض الزعماء العقلاء إلى خطر تغلغل اليهود في بلاده ، فأخذ يطردهم منها ، ويحذر أبناء أمته من شرورهم ، ومن هؤلاء الزعماء العقلاء ( بنيامين فرانكلين ) أحد رؤساء الولايات المتحدة ، فإنه ألقى خطابا سنة 1789م قال فيه : ( هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك الخطر هو ( اليهود ) . أيها السادة : حيثما استقر اليهود ، تجدونهم يوهنون من عزيمة الشعب ، ويزعزعون الخلق التجارى الشريف . إنهم لا يندمجون بالشعب . لقد كونوا . حكومة داخل الحكومة . وحينما يجدون معارضة من أحد فإنهم يعملون على خنق الأمة ماليا كما حدث للبرتغال وأسبانيا . . إذا لم يمنع اليهود من الهجرة بموجب الدستور . ففى أقل من مائتى سنة سوف يتدفقون على هذه البلاد بأعداد ضخممة تجعلهم يحكموننا ويدمروننا ويغيرون شكل الحكومة التي ضحينا وبذلنا لإقامتها دماءنا وحياتنا وأموالنا وحريتنا .
إذا لم يستثن اليهود من الهجرة فإنه لن يمضى أكثر من مائتى سنة ليصبح أبناؤنا عمالا في الحقول لتأمين الغذاء لليهود . . ، إنى أحذركم أيها السادة . إذا لم تستثنوا اليهود من الهجرة إلى الأبد فسوف يلعنكم ابناؤكم وأحفادكم في قبوركم ، إن عقليتهم تختلف عنا حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال . والنمر لا يستطيع تغيير لونه . اليهود خطر على هذه البلاد . وإذا دخلوها فوسف يخربونها ويفسدونها ) .
وللتعليق على هذا الخطاب نقول : ما أصدق ما توقعه ( فرانكلين ) لولا أنه قد أخطأ التقدير في المدة اللازمة لتحويل أمريكا إلى بقرة حلوب لليهود ، فقد قدر ( فرانكلين ) هذه المدة بمائتى سنة أى في سنة 1989 ، بينما استطاع اليهود أن يسخروا سياسة أمريكا وأسلحتها ، وأموالها وعلمها ونفوذها وخيراتها ، لمنفعتهم الخاصة في مدة تقل عما توقعه بأكثر من خمسين سنة .
ثانيا : غرورهم وتعاليهم : فاليهود يعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباؤه ، وشعبه المختار . ومن قديم الزمن وهم يقسمون العالم إلى قسمين متقابلين : قسم إسرائيل وهم صفوة الخلق وأصحاب الحظوة عند الله ، وقسم آخر يسمونه الأمم ( الجوييم ) أى غير اليهود ومعنى ( جوييم ) عندهم ، وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس . وقد أدى هذا الغرور والتعالى باليهود إلى إهدار كل حق لغيرهم عليهم ، وأن من حق اليهود أن يسرقوا من ليس يهودياً وأن يغشوه ويكذبوا عليه ويقتلوه إذا أمنوا اكتشاف جرائمهم ، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الرذيلة التي تمكنت من اليهود بقوله . { وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وكتب اليهود - لا سيما التلمود - طافحة بالوصايا التي تبيح لهم أن يعاملوا غيرهم بمعاملة تخالف معاملتهم مع بعضهم ، من ذلك ما جاء في التلمود : إذا خدع يهود أحداً من الأمم وجاء يهودى آخر واختلس من الأممى بعض ما عنده بنقص الكيل أو زيادة الثمن ، فعلى اليهوديين أن يقتسما الغنيمة التي أرسلها إليهما ( يهواه ) ويهواه هو إله اليهود .
ونتيجة لهذا الغرور والتعالى الذي تميز به اليهود ، وأهدروا بسببه كل حق أو كرامة لسواهم من الناس ، قام غيرهم من الأمم ليدافع عن حقه الذي سلبوه منهم ، وليوقع بهم أقسى العقوبات جزاء غرورهم الكاذب ، وتعاليهم الباطل .
ثالثا : عزلتهم وعصيبتهم وخيانتهم للبلاد التي آوتهم فهم متعصبون متحزبون ، لا يجمعهم حب بعضهم لبعض ولكن تجمعهم كراهية من ليس على ملتهم ، كما يجمعهم الحقد على العالم بأسره . وقد أصبحت العزلة والعصبية والعنصرية طابع اليهود الذي لا محيد لهم عنه .
ويصف الدكتور ( ويزمان ) أول رئيس لإسرائيل طابع العزلة في اليهود بقوله : ( وكان اليهود في موتول ( مسقط رأسه ) بروسيا ، يعيشون كما يعيش اليهود في مئات المدن الصغيرة والكبيرة منعزلين منكمشين ، وفى عالم غير عالم الناس الذين يعيشون معهم ) .
ولعل أدق صورة للتحريض على العزلة والتمسك بها ، ما ذكره ( سلامون شحتر ) في خطابه بمدرسة اللاهوت اليهودية العليا حيث قال : ( إن معنى الاندماج في الأمم هو فقدان الذاتية . وهذا النوع من الاندماج مع ما يترتب عليه من النتائج ، هو ما أخشاه أكثر مما أخشى المذابح والاضطهادات ) .
وقد تسبب عن عزلتهم وعصبيتهم أمور خطيرة ، فقد نظروا إلى من سواهم من الأمم نظرة كلها عداء وريبة وحذر ، وصار طابعهم في كل زمان ومكان عدم الإخلاص لاية هيئة دينية أو دنيوية . وعدم الولاء للأوطان التي يعيشون فيها ويأكلون من خيراتها ، وإنما يجعلون ولاءهم لجماعتهم ومصالحهم الخاصة دون غيرها ، لأن اليهودى يهودى قبل كل شىء ، مهما تكن جنسيته ، ومهما يعتنق من عقائد ومبادىء في الظاهر ، وإذا تعارضت جنسيته مع يهوديته ناصر يهوديته ، وحاول أن يشيع الخراب والدمار في الأمة التي هو فرد من أفرادها خصوصا إذا أمن العقاب والصهيونية العالمية تأمر اليهود في كل مكان أن يجعلوا ولاءهم لإسرائيل وليس للدولة التي يعيشون فيها .
تقول جولدا مايير وزيرة خارجية إسرائيل سابقا : ( إن اليهود المقيمين خارج إسرائيل طوائف مشتتة تعيش في المنفى ، وأنهم مواطنون إسرائيليون قبل كل شىء ، ويتحتم عليهم الولاء المطلق لهذه الدولة الجديدة مهما تكن جنسيتهم الرسمية التي يسبغونها على أنفسهم ، وإن اليهودى الإنجليزى الذي ينشد بحكم إنجليزيته نشيد ( حفظ الله الملكة ) لا يمكن أن يكون في نفس الوقت صهيونيا ) .
وما أكثر الحوادث التي قام فيها اليهود بدور العيون والجواسيس على الأوطان التي يعيشون فيها لحساب أعدائها ، واظهر مثل على ذلك ما قام به اليهود المقيمون في ألمانيا من خيانات لها خلال الحرب العالمية الأولى ، وكان ثمرة هذه الخيانات هزيمة ألمانيا ، ومنح اليهود جزاء غدرهم الوطنى وعد ( بلفور ) من الحكومة البريطانية سنة 1917م .
وقد عدد ( هتلر ) خيانات اليهود لألمانيا فذكر منها استنزاف أموال الشعب بالربا الفادح وإفساد التعليم والسيطرة لصالحهم على المصارف والبورصة والشركات التجارية ، والسيطرة على دور النشر ، والتدخل في سياسة الدولة لغير مصلحة ألمانيا وفى القمة من خياناتهم التجسس ضد ألمانيا الذي احترفه عدد كبير منهم .
ويختم هتلر حديثه الطويل عن اليهود بقوله ( وإذا قيض لليهودى أن يتغلب على شعوب هذا العالم ، فسيكون تاجه إكليل جنازة البشرية ، وعندما يستأنف كوكبنا السيار طوافه في الأثير كما فعل منذ ملايين السنين لن يكون هناك بشر على سطحه . . لهذا أعتقد أنى تصرفت معهم حسبما شائ خالقنا ، لأنى بدفاعى عن نفسى ضد اليهودى ، أنما أناضل في سبيل الدفاع ، عن عمل الخالق ) .
وإذن فعزلة اليهود ، وعصبيتهم ، وخيانتهم للأوطان التي آوتهم ، كان جزاؤها العادل ما حل بهم من دمار وتشريد خلال العصور المختلفة .
رابعاً : اضطهادهم لغيرهم متى ملكوا القدرة الظاهرة أو الخفية لذلك وتاريخ اليهود ملطخ بجراثم القتل والذبح والنهب والسلب والغدر والبطش بغيرهم وملىء بالمجازر التي قاموا بها ضد الشعوب التي كان لهم النصر عليها ، وقد ساعدهم على ذلك ما أمرتهم به كتبهم من قتل وإذلال لغيرهم متى واتتهم الفرصة عليه ، ففى سفر الخروج ما نصه .
( حين تقترب من مدينة لكى تحاربها استدعها إلى الصلح ، فإذا أجابتك فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ، ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً ، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك اللرب إياها فلا تستبق منها نسمة ما ) .
ولقد طبق اليهود هذه التعاليم أسوأ تطبيق في كل أدوار تاريخهم فلقد قتلوا في روما وحدها مائة ألف مسيحى سنة 214م بإيعاز من الإمبراطور ( مارك أوريل ) .
وما لنا نذهب بعيداً في الاستشهاد على إجرامهم ، ومعارك فلسطين ما زالت ماثلة في أذهاننا ، يقول أحد الكتاب المعاصرين : ( إن مذبحة دير ياسين كانت من أبشع المذابح التي ارتكبها اليهود . فقد قتلوا مائتين وخمسين إنسانا في قرية صغيرة ومثلوا بأجسامهم ، وذبحوا الأطفال في أحضان أمهاتهم وأمام أعينهن ) . وحدث ما يشبه هذه المذابح في كثير من مدن فلسطين كحيفا ويافا وقبية وكفر قاسم .
والحق ، أن مفاهيم اليهود الباطلة ، وأنانيتهم الطاغية ، وطباعهم اللئيمة وأخلاقهم الفاسدة ، وعصبيتهم الذميمة ، وقلوبهم القاسية ، واستباحتهم لقتل غيرهم ، وإهدار كرامته ، كل ذلك جعلهم محل نقمة العالم وغضبه ، وبسبب هذه الأخلاق المرذولة سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة ، ومن يمزقهم شر ممزق .
ويعجبنى في هذا المقام قول المؤرخ اليهودى " يوسيفوس " " لا توجد أمة في الأرض في كل أجيال التاريخ منذ بدء الخليقة إلى الآن تحملت ما تحمل بنو إسرائيل من الكوارث والآلام ، على أن هذه الكوارث والآلام لم تكن إلا من صنع بنى إسرائيل أنفسهم " .
والآن ، بعد سرد هذه العقوبات التي حلت ببنى إسرائيل في مختلف العصور تأييداً لقوله - تعالى - { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب } بسبب أعمالهم السيئة نعود إلى السورة الكريمة فنراها تحدثنا عن لون من ألوان الدعاوى الباطلة التي حكاها القرآن عنهم ، وهو زعمهم أن ذنوبهم مغفورة لهم ، وأنهم مهما فعلوا من ذنوب ، وارتكبوا من موبقات ، واستحلوا من أموال حرام ، فلن يحاسبهم الله على ذلك إلا حسابا يسيراً لأنهم أبناؤه وأحباؤه ، واستمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى ذلك عنهم فتقول : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ . . . } .
ثم تمضي خطوات القصة مع خطوات التاريخ ، من بعد موسى وخلفائه ، مع الأجيال التالية في بني إسرائيل إلى الجيل الذي كان يواجه الرسول [ ص ] والجماعة المسلمة في المدينة :
وقطعناهم في الأرض أمماً . . منهم الصالحون ومنهم دون ذلك . . وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون . فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون : سيغفر لنا . وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه . ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، ودرسوا ما فيه ، والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ! والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ، إنا لا نضيع أجر المصلحين . .
وهذه بقية الآيات المدنية الواردة في هذا السياق تكملة لقصة بني إسرائيل من بعد موسى . . ذلك حين تفرق اليهود في الأرض ؛ جماعات مختلفة المذاهب والتصورات ، مختلفة المشارب والمسالك . فكان منهم الصالحون وكان منهم من هم دون الصلاح . وظلت العناية الإلهية تواليهم بالابتلاءات . تارة بالنعماء وتارة بالبأساء لعلهم يرجعون إلى ربهم ، ويثوبون إلى رشدهم ، ويستقيمون على طريقهم ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) . .
والمتابعة بالابتلاء رحمة من الله بالعباد ، وتذكير دائم لهم ، ووقاية من النسيان المؤدي إلى الاغترار والبوار . .
يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمما ، أي : طوائف وفرقًا ، كما قال [ تعالى ]{[12287]} { وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } [ الأسراء : 104 ]
{ مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ } أي : فيهم الصالح وغير ذلك ، كما قالت الجن : { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } [ الجن : 11 ] ، { وَبَلَوْنَاهُمْ } أي : اختبرناهم { بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ } أي : بالرخاء والشدة ، والرغبة والرهبة ، والعافية والبلاء ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
{ وقطّعناهم في الأرض أمما } وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و{ أمما } مفعول ثان أو حال . { ومنهم دون ذلك } تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم . { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } بالنعم والنقم . { لعلهم يرجعون } ينهون فيرجعون عما كانوا عليه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقطعناهم}، يعني وفرقناهم {في الأرض أمما}، يعني فرقا، يعني بنى إسرائيل، {منهم الصالحون}، يعني المؤمنين، {ومنهم دون ذلك}، يعني دون الصالحين، فهم الكفار، {وبلوناهم بالحسنات والسيئات}، يقول: ابتليناهم بالخصب والشدة، {لعلهم}، يعني لكي {يرجعون} إلى التوبة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وفرّقنا بني إسرائيل في الأرض أمما، يعني جماعات شتى متفرّقين...
وقوله:"مِنْهُمُ الصّالِحُونَ" يقول: من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله من بني إسرائيل الصالحون، يعني: من يؤمن بالله ورسله. "وَمِنْهُمْ دُونَ ذلكَ "يعني: دون الصالح. وإنما وصفهم الله جلّ ثناؤه بأنهم كانوا كذلك قبل ارتدادهم عن دينهم وقبل كفرهم بربهم، وذلك قبل أن يُبعث فيهم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه.
وقوله: "وَبَلَوْناهُمْ بالحَسَناتِ وَالسّيّئاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ" يقول: واختبرناهم بالرخاء في العيش والخفض في الدنيا والدعة والسعة في الرزق، وهي الحسنات التي ذكرها جلّ ثناؤه. ويعني بالسيئات: الشدّة في العيش، والشظف فيه والمصائب والرزايا في الأموال. "لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ" يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي تفريقهم فيها ثلاثة أوجه: أحدها: زيادة في الانتقام منهم. والثاني: ليذهب تعاونهم. والثالث: ليتميز الصالح من المفسد.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أجراهم على ما علم أنهم يكونون عليه من صلاح وسداد، ومعاص وفساد. ثم ابتلاهم بفنون الأفعال من محن أزاحها، ومن منن أتاحها، وطالبهم بالشكر على ما أسدى، والصبر على ما أبلى، ليظهر للملائكة والخلائق أجمعين جواهرهم في الخلاف والوفاق، والإخلاص والنفاق...
واعلم أن قوله: {وقطعناهم} أحد ما يدل على أن الذي تقدم من قوله: {ليبعثن عليهم} المراد جملة اليهود، ومعنى {قطعناهم} أي فرقناهم تفريقا شديدا. فلذلك قال بعده: {في الأرض أمما} وظاهر ذلك أنه لا أرض مسكونة إلا ومنهم فيها أمة، وهذا هو الغالب من حال اليهود، ومعنى قطعناهم، فإنه قلما يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم.
ثم قال: {منهم الصالحون} قيل المراد القوم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام لأنه كان فيهم أمة يهدون بالحق. وقال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وقوله: {ومنهم دون ذلك} أي ومنهم قوم دون ذلك، والمراد من أقام على اليهودية.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون قوله: {ومنهم دون ذلك} من يكون صالحا إلا أن صلاحه كان دون صلاح الأولين لأن ذلك إلى الظاهر أقرب.
قلنا: أن قوله بعد ذلك: {لعلهم يرجعون} يدل على أن المراد بذلك من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح.
أما قوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات، وهي النعم والخصب والعافية، والسيئات هي الجدب والشدائد، قال أهل المعاني: وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة، أما النعم فلأجل الترغيب، وأما النقم فلأجل الترهيب. وقوله: {يرجعون} يريد كي يتوبوا.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ثم بين تعالى كيف كان بدء إذلال اليهود بإزالة وحدتهم، وتمزيق جامعتهم فقال: {وقطعناهم في الأرض أمما} أي وفرقناهم في الأرض حال كونهم أمما بالتقدير، أو صيرناهم أمما متقطعة، بعد أن كانوا أمة متحدة {منهم الصالحون} كالذين نهوا الذي اعتدوا في السبت عن ظلمهم، والذين كانوا يؤمنون بأنبياء الله تعالى فيهم من بعد موسى إلى عهد عيسى عليهم السلام، والذين آمنوا بمحمد خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، {ومنهم دون ذلك} ومنهم ناس دون وصف الصلاح لم يبلغوه، وهم درجات أو دركات، منهم الغلاة في الكفر والفسق، كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق، ومنهم السماعون للكذب الأكالون للسحت، إلى غير ذلك مما هو شأن الأمم الفاسدة في كل عصر، تفسد بالتدريج لا دفعة واحدة كما نراه في أمتنا الإسلامية.
{وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} أي امتحناهم، وبلونا سرائرهم واستعدادهم، بالنعم التي تحسن، وتقر بها الأعين، وبالنقم التي تسوء صاحبها، وربما حسنت بالصبر والإنابة عواقبها، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم، وينيبوا إلى ربهم، فيعود برحمته وفضله عليهم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
"وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا" أي: فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد ما كانوا مجتمعين، مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ القائمون بحقوق اللّه، وحقوق عباده، وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ أي: دون الصلاح، إما مقتصدون، وإما ظالمون لأنفسهم، "وَبَلَوْنَاهُمْ" على عادتنا وسنتنا، "بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ" أي: بالعسر واليسر. "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" عما هم عليه مقيمون من الردى، يراجعون ما خلقوا له من الهدى،
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تمضي خطوات القصة مع خطوات التاريخ، من بعد موسى وخلفائه، مع الأجيال التالية في بني إسرائيل إلى الجيل الذي كان يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة:
"وقطعناهم في الأرض أمماً.. منهم الصالحون ومنهم دون ذلك.. وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون. فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون: سيغفر لنا. وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه. ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق، ودرسوا ما فيه، والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون! والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين"..
وهذه بقية الآيات المدنية الواردة في هذا السياق تكملة لقصة بني إسرائيل من بعد موسى.. ذلك حين تفرق اليهود في الأرض؛ جماعات مختلفة المذاهب والتصورات، مختلفة المشارب والمسالك. فكان منهم الصالحون وكان منهم من هم دون الصلاح. وظلت العناية الإلهية تواليهم بالابتلاءات. تارة بالنعماء وتارة بالبأساء لعلهم يرجعون إلى ربهم، ويثوبون إلى رشدهم، ويستقيمون على طريقهم (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون)..
والمتابعة بالابتلاء رحمة من الله بالعباد، وتذكير دائم لهم، ووقاية من النسيان المؤدي إلى الاغترار والبوار..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصف الأمم بأنهم {منهم الصالحون} إيذان بأن التفريق شمل المذنبين وغيرهم، وأن الله جعل للصالحين منزلة إكرام عند الأمم التي حلّوا بينها، كما دل عليه قوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيّئات}. وشمل قوله: {ومنهم دون ذلك} كل من لم يكن صالحاً على اختلاف مراتب فقدان الصلاح منهم. وقوله: {وبلوناهم} إشارة إلى أن الله عاملهم مرة بالرحمة ومرة بالجزاء على أعمال دهمائهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ومرّة أُخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإِسلام لا يعادي العنصر اليهودي، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم.