معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

{ الذي أنقض ظهرك} ، أثقل ظهرك فأوهنه حتى سمع له نقيض ، أي صوت . وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : يعني خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

{ الَّذِي أَنْقَضَ } أي : أثقل { ظَهْرَكَ } كما قال تعالى : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

الاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } للتقرير لأنه إذا دخل على النفى قرره ، وهذا التقرير المقصود به التذكير ، حتى يداوم على شكره - تعالى - .

وأصل الشرح : البسط للشئ وتوسعته ، يقال : شرح فلان الشيء ، إذا وسعه ، ومنه شرح فلان الكتاب ، إذا وضحه ، وأزال مجمله ، وبسط ما فيه من غموض .

والمراد بشرح الصدر هنا : توسعته وفتحه ، لقبول كل ما هو من الفضائل والكمالات النفسية . وإذهاب كل ما يصد عن الإِدراك السليم وعن الحق والخير والهدى .

وهذا الشرح يشمل الشق البدنى لصدره صلى الله عليه وسلم كما يشمل الشرح المعنوى لصدره صلى الله عليه وسلم عن طريق إيداعه الإِيمان والهدى والعلم والفضائل .

قال الإِمام ابن كثير : قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعنى : أما شرحنا لك صدرك . أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ . . . } وقيل المراد بقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإِسراء ، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة . . وهذا وإن كان واقعا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم الذى فعل بصدره ليلة الإِسراء ، ما نشأ عنه من الشرح المعنوى - أيضا - . .

والمعنى : لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك شرحا عظيما ، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس ، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإِيمان والفضائل والحكم . . ما لم نعطه لأحد سواك .

ونون العظمة فى قوله - سبحانه - { نشرح } تدل على عظمة النعمة ، من جهة أن المنعم العظيم ، إنما يمنح العظيم من النعم ، وفى ذلك إشارة إلى أن نعمة الشرح ، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها .

واللام فى قوله - تعالى - : { لك } للتعليل ، وهو يفيد أن ما فعله الله - تعالى - به ، إنما هو من باب تكريمه ، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه ، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره .

قال الإِمام الرازى : فإن قيل : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر ، كما قال - تعالى - : { الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس } فإزالة تلك الوسوسة ، وإبدالها بدواعي الخير هى الشرح ، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب .

قال محمد بن علي الترمذى : القلب محل العقل والمعرفة ، وهو الذى يقصده الشيطان ، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذى هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ، وبث فيه الهموم ، فيضيق القلب ، ولا يجد للطاعة لذة ، وإذا طرد العدو فى الابتداء ، حصل الأمن ، وانشرح الصدر .

وقوله - سبحانه - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم .

والمراد بالوضع هنا : الإِزالة والحط ، لأن هذا اللفظ إذا عدي بعن كان للحط والتخفيف ، وإذا عدي بعلى كان للحمل والتثقيل .

تقول : وضعت عن فلان قيده : إذا أزلته عنه ، ووضعته عليه : إذا حملته إياه .

والوزر : الحِمْل الثقيل ، و { أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أي : أثقله وأوهنه وأتعبه ، حتى سمع له نقيض ، وهو الصوت الخفى الذى يسمع من الرَّحْل الكائن فوق ظهر البعير ، إذا كان هذا الرحل ثقيلا ، ولا يكاد البعير يحمله إلا بمشقة وعسر .

والمعنى : لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك ، وأزلنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة ، وعصمناك من الذنوب والآثام ، وطهرناك من الأدناس ، فصرت - بفضلنا وإحساننا - جديرا بحمل هذه الرسالة ، بتبليغها على أكمل وجه وأتمه .

فالمراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم مغفرة ذنوبه ، وإلى هذا المعنى أشار الإِمام ابن كثير بقوله : قوله - تعالى - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } بمعنى { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وقال غير واحد من السلف فى قوله : { الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أى : أثقلك حمله .

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم : إزالة العقبات التى وضعها المشركون فى طريق دعوته ، وإعانته على تبليغ الرسالة على أكمل وجه ، ورفع الحيرة التى كانت تعتريه قبل النبوة .

قال بعض العلماء : وقد ذكر جمهرة المفسرين أن المراد بالوزر فى هذه الآية : الذنب ، ثم راحوا يتأولون الكلام ، ويتمحلون الأعذار ، ويختلفون فى جواز ارتكاب الأنبياء للمعاصي ، وكل هذا كلام ، ولا داعى إليه ، ولا يلزم حمل الآية عليه .

والمراد - والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم - بالوزر : الحيرة التى اعترته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ، حين فكر فيما عليه قومه من عبادة الأوثان . وأيقن بثاقب فكره أن للكون خالقا هو الجدير بالعبادة ، ثم تحير فى الطريق الذى يسلكه لعبادة هذا الخالق ، وما زال كذلك حتى أوحى الله إليه بالرسالة فزالت حيرته . ولما دعا قومه إلى عبادة الله ، وقابلوا دعوته بالإِعراض . . ثقل ذلك عليه ، وغاظه من قومه أن يكذبوه . . وكان ذلك حملا ثقيلا . . شق عليه القيام به .

فليس الوزر الذى كان ينقض ظهره ، ذنبا من الذنوب . . ولكنه كان هما نفسيا يفوق ألمه ، ألم ذلك الثقل الحسي . . فلما هداه الله - تعالى - إلى إنقاذ أمته من أوهامها الفاسدة . . كان ذلك بمثابة رفع الحمل الثقيل ، الذى كان ينوء بحمله . لا جرم كانت هذه الآية واردة على سبيل التمثيل ، واقرأ إن شئت قوله - تعالى - :

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين . واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } ويبدو لنا أن هذا القول الثانى ، هو الأقرب إلى الصواب . لأن الكلام هنا ليس عن الذنوب التى ارتكبها النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة - كما يرى بعض المفسرين - وإنما الكلام هنا عن النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليه والتى من مظاهرها توفيقه للقيام بأعباء الرسالة ، وبإقناع كثير من الناس بأنه على الحق ، واستجابتهم له صلى الله عليه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

( ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ) . . ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله . . وضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان . وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين .

ألا تجد ذلك في العبء الذي أنقض ظهرك ? ألا تجد عبئك خفيفا بعد أن شرحنا لك صدرك ?

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

{ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } الإنقاض : الصوت . وقال غير واحد من السلف في قوله : { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } أي : أثقلك حمله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

وقوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقل ظهرك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يعني : الشرك الذي كان فيه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : شرح له صدرَه ، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ ، فوضعه .

وفي قوله : الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقله وجهده ، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل ، حتى يصير نِقْضا بعد أن كان سمينا وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : ذنبك الذي أنقض ظهرك : أثقل ظهرَك ، ووضعناه عنك ، وخفّفنا عنك ما أثقل ظهرَك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

الذي أنقض ظهرك الذي حمله على النقيض وهو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل وهو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة ، أو جهله بالحكم والأحكام ، أو حيرته ، أو تلقي الوحي ، أو ما كان يرى من ضلال قومه من العجز عن إرشادهم أو من إصرارهم وتعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ} (3)

و { أنقض } معناه جعله نقضاً ، أي هزيلاً معيباً من الثقل ، وقيل معناه أسمع له نقيضاً وهو الصوت ، وهو مثل نقيض السفن وكل ما حملته ثقلاً فإنه ينتقض تحته ، وقال عباس بن مرداس : [ الطويل ]

وأنقض ظهري ما تطوقت منهم . . . وكنت عليهم مشفقاً متحننا{[11885]}


[11885]:أنقض ظهري: أثقله وأوهنه، وقيل: جعل له نقيضا أي صوتا من شدة الحمل، ومعنى (تطوقت منهم): تحملت من إنعامهم. والإشفاق عليه: شدة الخوف عليه. والتحنن: الرحمة والعطف. وعباس بن مرداس هو السلمي ،من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وجعل نصيبه أقل من غيره، فأبى فأرضاه الرسول صلوات الله وسلامه عليه.