{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج النبات من الأرض الميتة والسنبلة من الحبة والشجرة من النواة والفرخ من البيضة والمؤمن من الكافر ، ونحو ذلك .
{ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } بعكس المذكور { وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فينزل عليها المطر وهي ميتة هامدة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } من قبوركم .
فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع أن الذي أحيا الأرض بعد موتها فإنه يحيي الأموات ، فلا فرق في نظر العقل بين الأمرين ولا موجب لاستبعاد أحدهما مع مشاهدة الآخر .
ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر قدرته فقال : { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } كإخراجه الإِنسان من النطفة ، والنبات من الحب ، والمؤمن من الكفار { وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } كما فى عكس هذه الأمور ، كإخراجه النطفة من الإِنسان ، والحب من النبات ، والكافر من المؤمن .
{ وَيُحْيِي الأرض } بالنبات { بَعْدَ مَوْتِهَا } : أى : بعد قحطها وجدبها ، كما قال - سبحانه - : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } وقوله - تعالى - : { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } تذييل قصد به تقريب إمكانة البعث من العقول والأفهام . أى : ومثل هذا الإِخراج للنبات من الأرض ، وللحى من الميت ، نخرجكم - أيها الناس - من قبوركم يوم القيامة ، للحساب والجزاء .
( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، ويحيي الأرض بعد موتها . . وكذلك تخرجون ) . .
( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها ) . . تلك العملية الدائبة التي لا تكف ولا تني لحظة واحدة من لحظات الليل والنهار في كل مكان ، على سطح الأرض ، وفي أجواز الفضاء ، وفي أعماق البحار . . ففي كل لحظة يتم هذا التحول . بل هذه المعجزة الخارقة التي لا ننتبه إليها لطول الألفة والتكرار . في كل لحظة يخرج حي من ميت ويخرج ميت من حي . وفي كل لحظة يتحرك برعم ساكن من جوف حبة أو نواة فيفلقها ويخرج إلى وجه الحياة ؛ وفي كل لحظة يجف عود أو شجرة تستوفي أجلها فتتحول إلى هشيم أو حطام . ومن خلال الهشيم والحطام توجد الحبة الجديدة الساكنة المتهيئة للحياة والإنبات ؛ ويوجد الغاز الذي ينطلق في الجو أو تتغذى به التربة ، وتستعد للإخصاب . وفي كل لحظة تدب الحياة في جنين . إنسان أو حيوان أو طائر . والجثة التي ترمى في الأرض وتختلط بالتربة وتشحنها بالغازات هي مادة جديدة للحياة وغذاء جديد للنبات ، فالحيوان والإنسان ! ومثل هذا يتم في أغوار البحار وفي أجواز الفضاء على السواء .
إنها دورة دائبة عجيبة رهيبة لمن يتأملها بالحس الواعي والقلب البصير ، ويراها على هدى القرآن ونوره المستمد من نور الله .
( وكذلك تخرجون ) . . فالأمر عادي واقعي لا غرابة فيه وليس بدعا مما يشهده الكون في كل لحظة من لحظات الليل والنهار في كل مكان !
وقوله : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة . وهذه الآيات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط ، فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها ، ليدل خلقه على كمال قدرته ، فمن ذلك إخراج النبات من الحب ، والحب من النبات ، والبيض من الدجاج ، والدجاج من البيض ، والإنسان من النطفة ، والنطفة من الإنسان ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن .
وقوله : { وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } كقوله : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون . وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون } [ يس : 33 ، 34 ] ، وقال : { وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ الحج : 5 - 7 ] ، وقال : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.