{ سأرهقه صعوداً } سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها . وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفاً ، ثم يهوي " .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا عمر بن الخطاب ، حدثنا عبد الله بن الفضل ، أنبأنا سنجاب بن الحارث ، أنبأنا شريك ، عن عمار الدهني ، عن عطية ، عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { سأرهقه صعودا } قال : هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت ، فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت " . وقال الكلبي : الصعود : صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها ، لا يترك أن يتنفس في صعوده ، ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد ، ويضرب من خلفه بمقامع من حديد ، فيصعدها في أربعين عاماً ، فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبداً . ً
ثم بين - سبحانه - ما أعده له من عذاب أليم فقال : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } . والإِرهاق : الإِتعاب الشديد ، وتحميل الإِنسان مالا يطيقه . يقال : فلان رِهِقَه الأمر يرهَقُه ، إذا حل به بقهر ومشقة لا قدرة له على دفعها . ومنه قوله - تعالى - : { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } وقوله - سبحانه - : { والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً . . . } والصعود : العقبة الشديدة ، التى لا يصل الصاعد نحوها إلا بمشقة كبيرة ، وتعب قد يؤدى إلى الهلاك والتلف . وهذه الكلمة صيغة مبالغة من الفعل صَعِد .
وهذه الآية الكريمة فى مقابل قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أى : أن هذا الجاه الذى أتاه فى الدنيا بدون تعب . . سيلقى فى الآخرة ما هو نقيضه من تعب وإذلال . .
قال صاحب الكشاف : قوله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } أى : سأغشيه عقبة شاقة المصعد .
وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعد الذى لا يطاق . وعن النبى صلى الله عليه وسلم " يكلف أن يصعد عقبة فى النار ، كلما وضع عليها يده ذابت ، فإذا رفعها عادت ، وإذا وضع رجله عليها ذابت ، فإذا رفعها عادت " وعنه صلى الله عليه وسلم : " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا " .
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبذل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة !
وهو تعبير مصور لحركة المشقة . فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا . فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا . وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة . فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندب في طريق وعر شاق مبتوت ؛ ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ري فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق !
وقوله : سأُرْهِقُهُ صَعُودا يقول تعالى ذكره : سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها . وقيل : إن الصعود جبل في النار يكلّفُ أهلُ النار صعوده . ذكر الرواية بذلك :
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن زائدة ، قال : حدثنا شريك ، عن عمارة ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأُرْهِقُهُ صَعُودا قال : «هو جبل في النار من نار ، يكلّفون أن يصعدوه ، فإذا وضع يده ذابت ، فإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله كذلك » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدريّ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الصّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نارٍ يُصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفا ثُمّ يَهْوِي كَذلكَ مِنْهُ أبَدا » .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سأُرْهِقُهُ صَعُودا قال : مشقة من العذاب .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سأُرْهِقُهُ صَعُودا : أي عذابا لا راحة منه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة سأُرْهِقُهُ صَعُودا قال : مشقة من العذاب .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : سأُرْهِقُهُ صَعُودا قال : تعبا من العذاب .
جملة { سأُرهقه صعوداً } معترضة بين { إنه كان لآياتنا عنيداً } [ المدثر : 16 ] وبين { إنه فكر وقدَّر } ، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مسَاءَة له وتعجيلُ المسرة للنبيء صلى الله عليه وسلم .
وجملة { إنه فكَّر وقدَّر } مبيِّنة لجملة { إنه كان لآياتنا عنيداً فهي تكملة وتبيين لها .
والإرهاق : الإِتعاب وتحميل ما لا يطاق ، وفعله رهِق كفرِح ، قال تعالى : { ولا ترهقني من أمري عسراً } في سورة الكهف ( 73 ) .
والصَّعود : العقبة الشديدة التَّصعد الشاقة على الماشي وهي فَعول مبالغة من صَعِد ، فإن العقبة صَعْدة ، فإذا كانت عقبة أشد تصعداً من العقبات المعتادة قيل لها : صَعُود .
وكأنَّ أصل هذا الوصف أن العقبة وُصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسمَ جنس لها .
وقوله : { سأرهقه صعوداً } تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله : { ومَهَّدت له تمهيداً } [ المدثر : 14 ] ، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سُوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة ، وكل ذلك إرهاق له .
قيل : إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا .
وقد وُزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذُكر عناده وهو من مقاصِدهِ السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من الأغراض الدنيوية عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء . ولما ذُكر طعنه في القرآن بقوله : { إنْ هذا إلاّ سحر يؤثر } وأنكر أنه وحي من الله بقوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } أُردف بذكر عذاب الآخرة بقوله : { سأُصليه سَقر } [ المدثر : 26 ] .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم رأن صَعوداً جبل في جهنم يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً » ، رواه الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري . وقال الترمذي : هو حديث غريب . فجعل الله صفة صعود علَماً على ذلك الجبل في جهنم . وهذا تفسير بأعظم ما دل عليه قوله تعالى : { سأرهقه صعوداً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها.
وقيل: إن الصعود جبل في النار يكلّفُ أهلُ النار صعوده. عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نارٍ يُصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفا ثُمّ يَهْوِي كَذلكَ مِنْهُ أبَدا».
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «أرهقه» معناه أكلفه بمشقة وعسر، و {صعوداً}: عقبة في جهنم، روى ذلك أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم كلما وضع عليها شيء من الإنسان ذاب، والصعود في اللغة: العقبة الشاقة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبذل اليسر عسرا، والتمهيد مشقة! (سأرهقه صعودا).. وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا. فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود، يندب في طريق وعر شاق مبتوت؛ ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق، كأنما يصعد في السماء، أو يصعد في وعر صلد لا ري فيه ولا زاد، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {سأُرهقه صعوداً} معترضة بين {إنه كان لآياتنا عنيداً} [المدثر: 16] وبين {إنه فكر وقدَّر}، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مسَاءَة له وتعجيلُ المسرة للنبيء صلى الله عليه وسلم.
والإرهاق: الإِتعاب وتحميل ما لا يطاق، قال تعالى: {ولا ترهقني من أمري عسراً} في سورة الكهف (73).
والصَّعود: العقبة الشديدة التَّصعد الشاقة على الماشي وهي فَعول مبالغة من صَعِد، فإن العقبة صَعْدة، فإذا كانت عقبة أشد تصعداً من العقبات المعتادة قيل لها: صَعُود.
وقوله: {سأرهقه صعوداً} تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله: {ومَهَّدت له تمهيداً} [المدثر: 14]، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سُوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة، وكل ذلك إرهاق له.
وقد وُزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذُكر عناده وهو من مقاصِدهِ السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من الأغراض الدنيوية، عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء. ولما ذُكر طعنه في القرآن بقوله: {إنْ هذا إلاّ سحر يؤثر} وأنكر أنه وحي من الله بقوله: {إن هذا إلاّ قول البشر} أُردف بذكر عذاب الآخرة بقوله: {سأُصليه سَقر} [المدثر: 26].