تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَأُرۡهِقُهُۥ صَعُودًا} (17)

الآية 17 : وقوله تعالى : { سأرهقه صعودا } فجائز أن يكون على تحقيق الصعود ، وهو العقبة التي يشتد الصعود عليها كما ذكره بعض أهل التأويل ، فيكلفه{[22610]} الصعود عليها .

وجائز أن يكون على التمثيل ؛ وذلك أن الصعود في الشاهد مما يشق على المرء الصعود ، والهبوط مما يسهل على المرء الانحدار عنه .

فإن كان على هذا ففيه أنه سيصيبه في الآخرة ما يشتد ويشق تحمل ذلك .

ثم يقال للمعتزلة في هذه الآية وفي قوله : { سأصليه سقر }[ المدثر : 26 ] : إن في هذا وعيدا من الله تعالى بأن سيصليه سقر ، وسيرهقه صعودا ، فأراد الله تعالى أن يصدق خبره ، وينجز وعده ، أو أراد أن يكذب خبره ، ويخالف وعده .

فإن قلتم بالثاني فقد نسبتموه إلى الكذب وإلى خلف الوعد . ومن هذا وصفه فهو سفيه جاهل ، لا يصلح أن يكون إلها .

وإن قلتم : بلى أراد أن يصدق خبره ، وينجز وعده مع دوامهم على الكفر أو عند انقلاعهم عنه . فإن زعمتم أنه إنما أراد أن يصليهم سقر على الخروج من الكفر ، فهذا منه جور ، لأنه يصليه سقر بشيء لا إرادة له فيه ، وإن سلمتم أنه أراد إصلاءهم سقر إذا داموا على الكفر ، واستقروا عليه ، فقد لزمكم أن تقولوا : إن الله تعالى أراد بكل{[22611]} أحد ما علم أنه يختاره ، ويكون منه .

ويقال لهم : إن الله تعالى يقول : { ولم يكن له وليّ من الذل }[ الإسراء : 111 ] ولو كان الأمر على ما زعمتم أنه يريد من كل كافر أن يسلم ، ويؤمن به ، ويريد الكافر أن يكفر به ، ويعاديه . فإذن قد أراد أن يكون له وليّ من الذل لأنه يريد أن يواليه مع اختياره الكفر{[22612]} في معاداته . { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا }[ الإسراء : 43 ] .


[22610]:الهاء ساقطة من الأصل و م.
[22611]:في الأصل و م: من كل.
[22612]:في الأصل و م: الكافر.