ثم بين - سبحانه - بعض مفترياتهم فى الدنيا واغترارهم بها فقال - تعالى - { وقالوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .
أى : أن هؤلاء الكافرين قد بلغ بهم الحب للدنيا والتعلق بها أنهم قالوا : ما الحياة التى تسمى حياة فى نظرنا إلا هذه الدنيا التى نتمتع فيها بما نريد من شهوات وما نحن بمبعوثين ولا محاسبين بعد ذلك .
فالآية الكريمة تحكى عنهم أنهم ينكرون أى حياة سوى الحياة التى يعيشونها ، وينفون وقوع البعث والحساب والثواب والعقاب نفياً مؤكداً بالباء وبالجملة الإسمية .
ويرى جمهور المفسرين أن هذه الآية الكريمة تتمة للآية السابقة لها من حيث المعنى ، وأن قوله { وقالوا } معطوف على { لَعَادُواْ } والتقدير ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر وسيىء الأعمال وقالوا ما الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ويكون قوله { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } جملة اعتراضية مؤكدة لمعنى دعوتهم إلى ما كانوا عليه إن عادوا إلى الدنيا ، إذ هى تكذيب لادعائهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم .
يدعهم ليفتح صفحتين جديدتين متقابلتين كذلك ؛ ويرسم لهما مشهدين متقابلين : أحدهما في الدنيا وهم يجزمون بأن لا بعث ولا نشور ، ولا حساب ولا جزاء . وثانيهما في الآخرة وهم موقوفون على ربهم يسألهم عما هم فيه : ( أليس هذا بالحق ؟ ) . . السؤال الذي يزلزل ويذيب . . فيجيبون إجابة المهين الذليل : ( بلى ! وربنا ) . . فيجبهون عندئذ بالجزاء الأليم بما كانوا يكفرون . . ثم يمضي السياق يرسم مشهدهم والساعة تأخذهم بغتة ، بعدما كذبوا بلقاء الله ، فتنتابهم الحسرة ؛ وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ! وفي النهاية يقرر حقيقة وزن الدنيا والآخرة في ميزان الله الصحيح :
( وقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، وما نحن بمبعوثين . ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال : أليس هذا بالحق ؟ قالوا : بلى وربنا . قال : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . . قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ، وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ، وللدار الآخرة خير للذين يتقون . أفلا تعقلون ؟ )
وقضية البعث والحساب والجزاء في الدار الآخرة من قضايا العقيدة الأساسية ، التي جاء بها الإسلام ؛ والتي يقوم عليها بناء هذه العقيدة بعد قضية وحدانية الألوهية . والتي لا يقوم هذا الدين - عقيدة وتصورا ، وخلقا وسلوكا ، وشريعة ونظاما - إلا عليها . . وبها . .
إن هذا الدين الذي أكمله الله ، وأتم به نعمته على المؤمنين به ، ورضيه لهم دينا - كما قال لهم في كتابه الكريم - هو منهج للحياة كامل في حقيقته ، متكامل متناسق في تكوينه . . " يتكامل " ويتناسق فيه تصوره الاعتقادي مع قيمه الخلقية ، مع شرائعه التنظيمية . . وتقوم كلها على قاعدة واحدة من حقيقة الألوهية فيه وحقيقة الحياة الآخرة .
فالحياة - في التصور الإسلامي - ليست هي هذه الفترة القصيرة التي تمثل عمر الفرد ؛ وليست هي هذه الفترة المحدودة التي تمثل عمر الأمة من الناس ؛ كما أنها ليست هي هذه الفترة المشهودة التي تمثل عمر البشرية في هذه الحياة الدنيا .
إن الحياة - في التصور الإسلامي - تمتد طولا في الزمان ، وتمتد عرضا في الآفاق ، وتمتد عمقا في العوالم ، وتمتد تنوعا في الحقيقة . . عن تلك الفترة التي يراها ويظنها ويتذوقها من يغفلون الحياة الآخرة من حسابهم ولا يؤمنون بها .
إن الحياة - في التصور الإسلامي - تمتد في الزمان ، فتشمل هذه الفترة المشهوده - فترة الحياة الدنيا - وفترة الحياة الأخرى التي لا يعلم مداها إلا الله ؛ والتي تعد فترة الحياة الدنيا بالقياس إليها ساعة من نهار !
وتمتد في المكان ، فتضيف إلى هذه الأرض التي يعيش عليها البشر ؛ دارا أخرى : جنة عرضها كعرض السماوات والأرض ؛ ونارا تسع الكثرة من جميع الأجيال التي عمرت وجه الأرض ملايين الملايين من السنين !
وتمتد في العوالم ، فتشمل هذا الوجود المشهود إلى وجود مغيب لا يعلم حقيقة كلها إلا الله ؛ ولا نعلم نحن عنه إلا ما أخبرنا به الله . وجود يبدأ من لحظة الموت ، وينتهي في الدار الآخرة . وعالم الموت وعالم الآخرة كلاهما من غيب الله . وكلاهما يمتد فيه الوجود الإنساني في صور لا يعلمها إلا الله .
وتمتد الحياة في حقيقتها ؛ فتشمل هذا المستوى المعهود في الحياة الدنيا ، إلى تلك المستويات الجديدة في الحياة الأخرى . . في الجنة وفي النار سواء . . وهي ألوان من الحياة ذات مذاقات ليست من مذاقات هذه الحياة الدنيا . . ولا تساوي الدنيا - بالقياس إليها - جناح بعوضة !
والشخصية الإنسانية - في التصور الإسلامي - يمتد وجودها في هذه الأبعاد من الزمان ، وفي هذه الآفاق من المكان ، وفي هذه الأعماق والمستويات من العوالم والحيوات . . ويتسع تصورها للوجود كله ؛ وتصورها للوجود الإنساني ؛ ويتعمق تذوقها للحياة ؛ وتكبر اهتماماتها وتعلقاتها وقيمها ، بقدر ذلك الامتداد في الأبعاد والآفاق والأعماق والمستويات . . بينما أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة ، يتضاءل تصورهم للوجود الكوني ، وتصورهم للوجود الإنساني ؛ وهم يحشرون أنفسهم وتصوراتهم وقيمهم وصراعهم في ذلك الجحر الضيق الصغير الضئيل من هذه الحياة الدنيا !
ومن هذا الاختلاف في التصور يبدأ الاختلاف في القيم ، ويبدأ الاختلاف في النظم . . ويتجلى كيف أن هذا الدين منهج حياة متكامل متناسق ؛ وتتبين قيمة الحياة الآخرة في بنائه : تصورا واعتقادا ، وخلقا وسلوكا وشريعة ونظاما . .
إن إنسانا يعيش في هذا المدى المتطاول من الزمان والمكان والعوالم والمذاقات ، غير إنسان يعيش في ذلك الجحر الضيق ، ويصارع الآخرين عليه ، بلا انتظار لعوض عما يفوته ، ولا لجزاء عما يفعله وما يفعل به . . إلا في هذه الأرض ومن هؤلاء الناس !
إن اتساع التصور وعمقه وتنوعه ينشى ء سعة في النفس وكبرا في الاهتمامات ورفعة في المشاعر ! ينشأ عنها هي بذاتها خلق وسلوك ، غير خلق الذين يعيشون في الجحور وسلوكهم ! فاذا أضيف إلى سعة التصور وعمقه وتنوعه ، طبيعة هذا التصور ، والاعتقاد في عدل الجزاء في الدار الآخرة ، وفي ضخامة العوض عما يفوت ونفاسته ؛ استعدت النفس للبذل في سبيل الحق والخير والصلاح الذي تعلم أنه من أمر الله ، وأنه مناط العوض والجزاء ؛ وصلح خلق الفرد واستقام سلوكه - متى استيقن من الآخرة كما هي في التصور الإسلامي - وصلحت الأوضاع والأنظمة ، التي لا يتركها الأفراد تسوء وتنحرف ، وهم يعلمون أن سكوتهم على فسادها لا يحرمهم صلاح الحياة الدنيا وحدها وخيراتها ؛ ولكنه يحرمهم كذلك العوض في الآخرة ، فيخسرون الدنيا والآخرة !
والذين يفترون على عقيدة الحياة الآخرة فيقولون : إنها تدعو الناس إلى السلبية في الحياة الدنيا ؛ وإلى إهمال هذه الحياة ؛ وتركها بلا جهد لتحسينها وإصلاحها ؛ وإلى تركها للطغاة والمفسدين تطلعا إلى نعيم الآخرة . . الذين يفترون هذا الافتراء على عقيدة الآخرة يضيفون إلى الافتراء الجهالة ! فهم يخلطون بين عقيدة الآخرة - كما هي في التصورات الكنسية المنحرفة - وعقيدة الآخرة كما هي في دين الله القويم . . فالدنيا - في التصور الإسلامي - هي مزرعة الآخرة . والجهاد في الحياة الدنيا لإصلاح هذه الحياة ، ورفع الشر والفساد عنها ، ورد الاعتداء عن سلطان الله فيها ، ودفع الطواغيت وتحقيق العدل والخير للناس جميعا . . كل أولئك هو زاد الآخرة ؛ وهو الذي يفتح للمجاهدين أبواب الجنة ، ويعوضهم عما فقدوا في صراع الباطل ، وما أصابهم من الأذى . .
فكيف يتفق لعقيدة هذه تصوراتها أن يدع أهلها الحياة الدنيا تركد وتأسن ، أو تفسد وتختل ، أو يشيع فيها الظلم والطغيان ، أو تتخلف في الصلاح والعمران . . وهم يرجون الآخرة ، وينتظرون فيها الجزاء من الله ؟
إن الناس إذا كانوا في فترات من الزمان يعيشون سلبيين ؛ ويدعون الفساد والشر والظلم والطغيان والتخلف والجهالة تغمر حياتهم الدنيا - مع ادعائهم الإسلام - فإنما هم يصنعون ذلك كله أو بعضه لأن تصورهم للإسلام قد فسد وانحرف ؛ ولأن يقينهم في الآخرة قد تزعزع وضعف ! لا لأنهم يدينون بحقيقة هذا الدين ؛ ويستيقنون من لقاء الله في الآخرة . فما يستيقن أحد من لقاء الله في الآخرة ، وهو يعي حقيقة هذا الدين ، ثم يعيش في هذه الحياة سلبيا ، أو متخلفا ، أو راضيا بالشر والفساد والطغيان .
إنما يزاول المسلم هذه الحياة الدنيا ، وهو يشعر أنه أكبر منها وأعلى . ويستمتع بطيباتها أو يزهد فيها وهو يعلم أنها حلال في الدنيا خالصة له يوم القيامة . ويجاهد لترقية هذه الحياة وتسخير طاقاتها وقواها وهو يعرف أن هذا واجب الخلافة عن الله فيها . ويكافح الشر والفساد والظلم محتملا الأذى والتضحية حتى الشهادة وهو إنما يقدم لنفسه في الآخرة . . إنه يعلم من دينه أن الدنيا مزرعة الآخرة ؛ وأن ليس هنالك طريق للآخرة لا يمر بالدنيا ؛ وأن الدنيا صغيرة زهيدة ولكنها من نعمة الله التي يجتاز منها إلى نعمة الله الكبرى . .
وكل جزئية في النظام الإسلامي منظور فيها إلى حقيقية الحياة الآخرة ؛ وما تنشئه في التصور من سعة وجمال وارتفاع ؛ وما تنشئه في الخلق من رفعة وتطهر وسماحة ومن تشدد في الحق وتحرج وتقوى ؛ وما تنشئه في النشاط الإنساني من تسديد وثقة وتصميم .
من أجل ذلك كله لا تستقيم الحياة الإسلامية بدون يقين في الآخرة . ومن أجل ذلك كله كان هذا التوكيد في القرآن الكريم على حقيقة الأخرة . .
وكان العرب في جاهليتهم - وبسبب من هذه الجاهلية - لا تتسع آفاقهم التصورية والشعورية والفكرية للاعتقاد في حياة أخرى غير هذه الحياة الدنيا ؛ ولا في عالم آخر غير هذا العالم الحاضر : ولا في امتداد الذات الإنسانية إلى آماد وآفاق وأعماق غير هذه الآماد المحسوسة . . مشاعر وتصورات أشبه شيء بمشاعر الحيوان وتصوراته . . شأنهم في هذا شأن الجاهلية الحاضرة . . " العلمية " كما يصر أهلها على تسميتها !
( وقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) . .
وكان الله - سبحانه - يعلم أن الاعتقاد على هذا النحو يستحيل أن تنشأ في ظله حياة إنسانية رفيعة كريمة . . هذه الآفاق الضيقة في الشعور والتصور ، التي تلصق الإنسان بالأرض ، وتلصق تصوره بالمحسوس منها كالبهيمة . . وهذه الرقعة الضيقة من الزمان والمكان ، التي تطلق السعار في النفس ، والتكالب على المتاع المحدود ، والعبودية لهذا المتاع الصغير ، كما تطلق الشهوات من عقالها تعربد وحدها بلا كابح ، ولا هدنة ، ولا أمل في عوض ، إن لم تقض هذه الشهوات الهابطة الصغيرة ، التي لا تكاد تبلغ نزوات البهيمة ! . . وهذه الأنظمة والأوضاع ، التي تنشأ في الأرض منظورا فيها إلى هذه الرقعة الضيقة من الزمان والمكان ؛ بلا عدل ولا رحمة ، ولا قسط ولا ميزان . . إلا أن يصارع الأفراد بعضهم بعضا ، وتصارع الطبقات بعضها بعضا ، وتصارع الأجناس بعضها بعضا . . وينطلق الكل في الغابة انطلاقا لا يرتفع كثيرا على انطلاق الوحوش والغيلان ! كما نشهد اليوم في عالم " الحضارة " . . في كل مكان . .
كان الله - سبحانه - يعلم هذا كله ؛ ويعلم أن الأمة التي قدر أن يعطيها مهمة الإشراف على الحياة البشرية ، وقيادتها إلى القمة السامقة التي يريد أن تتجلى فيها كرامة الإنسانية في صورة واقعية . . أن هذه الأمة لا يمكن أن تؤدي واجبها هذا إلا بأن تخرج بتصوراتها وقيمها من ذلك الجحر الضيق إلى تلك الآفاق والآماد الواسعة . . من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوَاْ إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين العادلين به الأوثان والأصنام الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عنهم ، يقول تعالى ذكره : وَقالُوا إنْ هِيَ إلاّ حَياتُنا الدّنيْا يخبر عنهم أنهم ينكرون أن الله يحي خلقه بعد أن يميتهم ، ويقولون : لا حياة بعد الممات ولا بعث ولا نشور بعد الفناء . فهم بجحودهم ذلك وإنكارهم ثواب الله وعقابه في الدار الاَخرة ، لا يبالون ما أتوا وما ركبوا من إثم ومعصية لأنهم لا يرجون ثوابا على إيمان بالله وتصديق برسوله وعمل صالح بعد موت ، ولا يخافون عقابا على كفرهم بالله ورسوله وسيّىء من عمل يعملونه . وكان ابن زيد يقول : هذا خبر من الله تعالى عن هؤلاء الكفرة الذين وُقفوا على النار ، أنهم لو ردّوا إلى الدنيا لقالوا : إنْ هِيَ حيَاتُنا الدّنيَا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وقالوا حين يردّون : إنْ هِيَ إلاّ حياتُنا الدّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ .
وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( 29 )
وقوله تعالى : { وقالوا إن هي إلا حياتنا } الآية ، هذا على تأويل الجمهور ابتداء كلام وإخبار عنهم بهذه المقالة ، ويحسن مع هذا أن يكون قوله قبل { وإنهم لكاذبون } مستأنفاً مقطوعاً خبراً عن حالهم في الدنيا التي من قولهم فيها { إن هي إلا حياتنا الدنيا } وغير ذلك ، و { إن } نافية ، ومعنى الآية التكذيب بالحشر والعودة إلى الله ، وقال ابن زيد قوله { وقالوا } معطوف على قوله { لعادوا } أي { لعادوا } لما نهوا عنه من الكفر { وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا } .
قال القاضي أبو محمد : وتوقيف الله لهم في الآية بعدها على البعث والإشارة إليه في قوله : { أليس هذا بالحق } يرد على هذا التأويل{[4883]} .
يجوز أن يكون عطفاً على قوله { لعادوا لما نُهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] فيكون جواب { لوْ } ، أي لو ردّوا لكذّبوا بالقرآن أيضاً ، ولكذّبوا بالبعث كما كانوا مدّة الحياة الأولى . ويجوز أن تكون الجملة عطفت على جملة { يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } [ الأنعام : 25 ] ، ويكون ما بين الجملتين اعتراضاً يتعلّق بالتكذيب للقرآن .
وقوله { إنْ هي } ( إن ) نافية للجنس ، والضمير بعدها مبهم يفسّره ما بعد الاستثناء المفرّغ . قصد من إبهامه الإيجاز اعتماداً على مفسّره ، والضمير لمّا كان مفسّراً بنكرة فهو في حكم النكرة ، وليس هو ضمير قصّة وشأن ، لأنّه لا يستقيم معه معنى الاستثناء ، والمعنى إنْ الحياةُ لنا إلاّ حياتُنا الدنيا ، أي انحصر جنس حياتنا في حياتنا الدنيا فلا حياة لنا غيرها فبطلت حياة بعد الموت ، فالاسم الواقع بعد { إلاّ } في حكم البدل من الضمير .
وجملة : { وما نحن بمبعوثين } نفي للبعث ، وهو يستلزم تأكيد نفي الحياة غير حياة الدنيا ، لأنّ البعث لا يكون إلاّ مع حياة . وإنّما عطفت ولم تفصل فتكونَ موكّدة للجملة قبلها لأنّ قصدهم إبطال قول الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّهم يحْيون حياة ثانية ، وقولَه تارة أنّهم مبعوثون بعد الموت ، فقصدوا إبطال كلّ باستقلاله .