اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُوٓاْ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ} (29)

قوله : { وَقَالُواْ } هل هذه الجملة مَعْطُوفة على جواب " لو " والتقدير ولو رُدُّوا لعادوا [ ولقالوا ]{[13629]} ، أو هي مُسْتأنَفَةٌ ليس دَاخِلَةٌ في خبر ، أو هي معطوفة على قوله :{ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون } ثلاثة أوجه :

ذكر الزمخشري{[13630]} الوجهين الأوَّل والأخير ، فإنه قال : " وقالوا " عطف على " لعادوا " ، أي لو رُدُّوا لكفروا ، ولقالوا : إن هي إلاَّ حياتنا الدنيا ، كما كانوا يقولون قبل مُعايَنةِ القيامة ، ويجوز أن يُعْطَفَ على قوله : " وإنهم لكاذبون " [ على معنى : وإنهم لَقَوْمٌ كاذبون ]{[13631]} في كل شيء .

والوجه الأول منقول عن ابن زيد ، إلاَّ أن ابن عَطِيَّة ردَّهُ فقال : وتوقِيفُ الله -تعالى- لهم في الآية بَعدها فيه دلالةٌ على البَعْثِ والإشارة إليه بقوله : " أليس هذا بالحقِّ " يردُّ على هذا التأويل ، وقد يُجَابُ عن هذا باختلاف حالين : فإنَّ إقرارهم بالبعث حقيقة ، إنما هو في الآخرة ، وإنكارهم ذلك إنما هو في الدنيا بتقدير عَوْدهمْ إلى الدنيا ، فاعترافهم به في الدار الآخرة غَيْرُ مُنَافٍ لإنكارهم إيَّاهُ في الدنيا .

قوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا } " إن " نافية ، و " هي " مبتدأ و " حَيَاتُنَا " خبرها ، ولم يكتفوا بمجرد الإخبار بذلك حتى أبرزوها محصورةً في نفي وإثباتٍ ، و " هي " ضمير مُبْهَمٌ يفسِّره خبره ، أي : ولا نعلم ما يُرَادُ به إلاَّ بذكر{[13632]} خبره ، وهو من الضمائر التي يفسِّرها ما بعدها لفظاً ورتبة وقد تقدم ذلك عند قوله :

{ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } [ البقرة :29 ] وكون هذا مما يفسره ما بعده لفظاً ورتبةً فيه نظر ، إذ لقائل أن يقول : " هي " تعود على شيء دلَّ على سياقِ الكلام ، كأنهم قالوا : إنَّ العادة المستمرة ، أو إن حَالَتَنَا وما عَهِدْنَا إلاِّ حياتنا الدنيا ، واستند هذا القائل إلى قول الزَّمخشري : " هذا ضميرٌ لا يُعْلَمُ ما يُرَادُ به إلاَّ بذكر ما بعده " .

ومثَّل الزمخشري بقول العرب " هِيَ النَّفْسُ تَتَحَمَّلُ ما حُمَّلَتْ " {[13633]} و " هي العرب تقول ما شاءت " . وليس فيما قاله الزمخشري دَلِيلٌ له ، لأنه يعني أنه لا يُعلم ما يعود عليه الضمير إلا بذكر ما بعده ، وليس في هذا ما يدلّ على أن الخبر مُفَسِّرٌ للضمير .

ويجوز أن يكون المعنى : إن الحَيَاة إلا حياتنا الدُّنْيَا ، فقوله " إلا حياتنا الدنيا " دالٌّ على ما يُفَسِّرُ الضمير ، وهو الحَيَاةُ مُطْلقاً ، فصدق عليه أنه لا يعلم ما يُرَادُ به إلاَّ بذكر ما بعده من هذه الحَيْثِيَّة لا من حيثيَّة التفسير ، ويَدُلُّ على ما قلنا قول أبي البقاء{[13634]} - رحمه الله تعالى - : هي كِنَايَةٌ عن الحياة ، ويجوز أن يكون ضمير القِصَّة .

قال شهاب الدين{[13635]} - رحمه الله تعالى - : أمَّا أوَّل كلامه فصحيح ، وأمَّا آخره وهو قوله : " إن هي{[13636]} ضمير القصّة " فليس بشيء ؛ لأن ضمير القصِّة لا يفسَّرُ إلاَّ بجملةٍ مُصَرَّحٍِ بجزْأيْهَا .

فإن قيل : الكوفي يجوِّزُ تفسيره بالمفرد ، فيكون نَحَا نَحْوهُمْ ؟

فالجواب أنَّ الكوفيَّ إنما يُجَوِّزهُ بمفرد عامل عمل الفعل ، نحو : " إنه قائم زيد " و " ظَنَنْتُهُ قائماً زيدٌ " لأنه في صورة الجملة ؛ إذ في الكلام مُسْنَدٌ ومُسْنَدٌ إليه .

أما نحو " هو زيد " فلا يجيزه أحدٌ ، على أن يكون " هو " ضمير شأن لا قصّة ، والدنيا صفة الحياة ، وليست صِفَةً مزيلةً اشتراكاً عارضاً ، يعني : أن ثَمَّ حياةً غير دنيا يُقرُّون بها ؛ لأنهم لا يعرفون إلاَّ هذه ، فيه صَفَةٌ لمجرد التوكيد ، كذا قيل ، ويعنون بذلك أنها لا مَفْهُومَ لها ، وإلاَّ قحقيقةُ التوكيد غَيْرُ ظاهرةٍ بخلاف

{ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } [ الحاقة :13 ] .

و " الباء " في قوله : " بمبعوثين " زائدةٌ لتأكيد الخبر المفني ، ويحتمل مجرورها أن يكون مَنْصُوبَ المَحَلِّ على أنَّ " ما " هاهنا حجازيةٌ ، أو مرفوعةٌ على أنها تميمية .


[13629]:سقط في ب.
[13630]:ينظر: الكشاف 2/16.
[13631]:سقط في ب.
[13632]:في ب: تذكر.
[13633]:ينظر: الهمع 1/66.
[13634]:ينظر: الإملاء 1/239.
[13635]:ينظر: الدر المصون 3/42.
[13636]:في ب: هو.