بدأت السورة الكريمة بالحديث عن الكتب وما فيه من هدى ورحمة ، ووصفت المحسنين بالطاعة لله والإيمان بالآخرة والحصول على الفلاح ، وعقبت بذكر المضلين المستكبرين ، وبشرت المؤمنين بحسن جزائهم في دار النعيم ، ولفتت الأنظار إلى الآيات الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى ووحدانيته ، وتحدث الكفار بأن الله الذي أشركوا به خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه . وانتقلت وصايا لقمان لابنه ، وما اندمج فيها من وصية الإنسان بوالديه ، وعرضت لما سخره الله للإنسان ، وما أسبغه عليه من النعم الظاهرة والباطنة .
وتحدثت عمن يجادلون في الله بغير علم ، ويعتذرون عن ضلالهم باتباع ما كان عليه آباؤهم ، ونوهت بشأن من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن ، ونصحت للرسول بألا يحزن كفر من كفر فمرجعه إلى الله ، وفصلت كثيرا من مظاهر القدرة والعظمة والرحمة .
وذكرت أن المشركين إذا سئلوا عنها يعترفون بخلق الله لها وهم يستمدون من فضل الله ، ويلجأون إليه في أزماتهم ، ويعدونه بالشكر ثم يخلفون .
وأمرت السورة بتقوى الله والخشية من الحساب والجزاء ، وحذرت من الغرور وطاعة الشيطان ، وختمت بما استأثر بعلمه . وأهم ما تناولته السورة ثلاثة أغراض :
الأول : تبشير المحسنين بنعيمهم ، وإنذار الكافرين بعذابهم .
الثاني : عرض الآيات الكونية وما فيها من المظاهر التي تشهد بقدرة ووحدانيته ومبلغ عظمته ورحمته .
الثالث : الوصايا العظيمة التي عنيت بسلامة العقيدة ، والمحافظة على الطاعة وحسن الخلق .
1- الم : هذه حروف ابتدأ الله بها بعض السور ، ليشير بها إلى إعجاز القرآن المؤلف من حروف كالحروف التي يؤلف منها العرب كلامهم ، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله ، ولينبِّه إلى الاستماع والإنصات ، وكان المشركون قد اتفقوا على أن يَلْغوا فيه ولا يسمعوا .
1- سورة لقمان هي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة السادسة والخمسون من بين السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة الصافات( {[1]} ) .
وعدد آياتها : أربع وثلاثون آية . وقد ذكر الإمام ابن كثير وغيره أنها مكية ، دون أن يستثني شيئا منها .
وقال الآلوسي ما ملخصه : أخرج ابن الضريس ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أنه قال : أنزلت سورة لقمان بمكة . . . وفي رواية عنه : أنها مكية إلا ثلاث آيات تبدأ بقوله –تعالى- : [ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ]( {[2]} ) .
2- وتبدأ السورة الكريمة ، بالثناء على القرآن الكريم ، وعلى المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون .
ثم تنتقل إلى الحديث عن جانب من صفات المشركين ، الذين يستهزئون بآيات الله –تعالى- ، ويعرضون عنها ، [ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ، كأن في أذنيه وقرا ، فبشره بعذاب أليم ] .
ثم ساقت أدلة متعددة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، قال –تعالى- : [ خلق السموات بغير عمد ترونها ، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ، وبث فيها من كل دابة ، وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم . هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، بل الظالمون في ضلال مبين ] .
3- ثم قص علينا –سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة ، التي أوصى بها لقمان ابنه ، والتي اشتملت على ما يهدي إلى العقيدة السليمة ، وإلى الأخلاق الكريمة ، وإلى مراقبة الخالق –عز وجل- وإلى أداء العبادات التي كلفنا –سبحانه- بها .
ومن هذه الوصايا قوله –سبحانه- : [ يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك ، إن ذلك من عزم الأمور . ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ] .
4- ثم بين –سبحانه- ألوانا من نعمه على عباده ، منها ما يتعلق بخلق السموات ، ومنها ما يتعلق بخلق الأرض ، كما بين –عز وجل- أن علمه محيط بكل شيء ، وأنه لا نهاية له . . قال –تعالى- : [ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ، ما نفدت كلمات الله ، إن الله عزيز حكيم . ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ، إن الله سميع بصير ] .
5- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، بدعوة الناس جميعا إلى تقواه –عز وجل- وإلى بيان الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا هو –سبحانه- فقال : [ يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، إن وعد الله حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ، إن الله عليم خبير ] .
6- هذا ، والمتأمل في هذه السورة الكريمة ، يراها قد خاطبت النفس البشرية ، بما من شأنه أن يسعدها ويحييها حياة طيبة .
إنها قد بينت أوصاف المؤمنين الصادقين ، وأوصاف أعدائهم : وبينت عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار ، ووضحت تلك الوصايا الحكيمة التي أوصى بها لقمان ابنه وأحب الناس إليه ، وساقت أنواعا من النعم التي أنعم بها –سبحانه- على عباده ، وبينت أن هناك أمورا لا يعلمها إلا الله –تعالى- وحده .
وقد ساقت السورة ما ساقت من هدايات ، بأسلوب بليغ مؤثر ، يرضي العواطف ، ويقنع العقول . .
نسأل الله –تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا .
سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى . .
وقد فصلنا القول فى معانيها ، عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران وغيرهما .
وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك : ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها . فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .
القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ * الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } .
وقد تقدّم بياننا تأويل قول الله تعالى ذكره الم . وقوله : تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ يقول جل ثناؤه : هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلاً .