{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ْ } عن ما دعوتكم إليه ، فلا موجب لتوليكم ، لأنه تبين أنكم لا تولون عن باطل إلى حق ، وإنما تولون عن حق قامت الأدلة على صحته ، إلى باطل قامت الأدلة على فساده .
ومع هذا { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ْ } على دعوتي ، وعلى إجابتكم ، فتقولوا : هذا جاءنا ليأخذ أموالنا ، فتمتنعون لأجل ذلك .
{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ْ } أي : لا أريد الثواب والجزاء إلا منه ، { و ْ } أيضا فإني ما أمرتكم بأمر وأخالفكم إلى ضده ، بل { أمرت أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ْ } فأنا أول داخل ، وأول فاعل لما أمرتكم به .
ومتى فعلوا ذلك ، كانت العاقبة لهم لأنه - سبحانه - تعهد أن ينصر من ينصره .
ولنمض مع القصة حتى النهاية لنرى الدليل على ذلك فقد حكى - سبحانه - ما دار بين نوح وبين قومه بعد هذا التحدي السافر لهم فقال :
{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أى : فإن أعرضتم - أيها الناس - عن قولي ، وعن تذكيري إياكم بآيات الله بعد وقوفكم على أمري وعلى حقيقة حالي . فما سألتكم من أجر ، أى : فإني ما سألتكم في مقابل تذكيري لكم ، أو دعوتى إياكم إلى الحق ، ومن أجر تؤدونه لي - { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله } وحده ، فهو الذي يثيبني على قولي وعملي وهو الذي يعطيني من الخير ما يغنيني عن أجركم وعطائكم وهو - سبحانه - الذي أمرنى { أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين } أى : المنقادين لأمره . المتبعين لهديه ، المستسلمين لقضائه وقدره .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن تَوَلّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه نوح عليه السلام لقومه : فإن توليتم أيها القوم عني بعد دعائي إياكم وتبليغ رسالة ربي إليكم مدبرين ، فأعرضتم عما دعوتكم إليه من الحقّ والإقرار بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وترك إشراك الاَلهة في عبادته ، فتضييع منكم وتفريط في واجب حقّ الله عليكم ، لا بسبب من قِبَلي فإني لم أسألكم على ما دعوتكم إليه أجرا ولا عوضا أعتاضه منكم بإجابتكم إياي إلى ما دعوتكم إليه من الحقّ والهُدى ، ولا طلبت منكم عليه ثوابا ولا جزاء . إنْ أجْرِيَ إلاّ على اللّهِ يقول جلّ ثناؤه : إن جزائي وأجر عملي وثوابه إلا على ربي لا عليكم أيها القوم ولا على غيركم . وأُمِرْتُ أن أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ وأمرني ربي أن أكون من المذعنين له بالطاعة المنقادين لأمره ونهيه المذللين له ، ومن أجل ذلك أدعوكم إليه وبأمره آمركم بترك عبادة الأوثان .
{ فإن توليتم } أعرضتم عن تذكيري . { فما سألتكم من أجر } يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله ، أو يفوتني لتوليكم . { إن أجري } ما ثوابي على الدعوة والتذكير . { إلا على الله } لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم . { وأُمرت أن أكون من المسلمين } المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره .
المعنى فإن لم تقبلوا على دعوتي وكفرتم بها وتوليتم عنها ، و «التولي » أصله في البدن ويستعمل في الإعراض عن المعاني ، يقول : فأنا لم أسألكم أجراً على ذلك ولا مالاً ، فيقع منكم قطع بي وتقصير بإرادتي ، وإنما أجري على الذي بعثني ، وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنه : «أجري » بسكون الياء ، وقرأ «أجريَ » بفتح الياء الأعرج وطلحة بن مصرف وعيسى وأبو عمرو ، ، وقال أبو حاتم : هما لغتان ، والقراءة بالإسكان في كل القرآن ، ثم أخبرهم بأن الله أمره بالإسلام والدين الحنيفي الذي هو توحيد الله والعمل بطاعته والإعداد للقائه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.