{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا }{[1433]} أي : آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به ، وعملوا الصالحات بجوارحهم . من كل قول{[1434]} وفعل واجب أو مستحب . { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى أقدار المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك ، والإتيان به كاملًا منشرحًا به الصدر ، مطمئنة به النفس .
{ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } للخلق ، من إعطاء محتاجهم ، وتعليم جاهلهم ، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه ، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه .
وقوله - تعالى - : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك : { فَلاَ اقتحم العقبة . . . } .
و " ثم " هنا للتراخى الرتبى ، للدلالة على أن ما بعدها أصل لقبول ما قبلها .
والمعنى : هلا كان هذا الإِنسان ممن فكوا الرقاب ، وأطعموا لليتامى والمساكين . . ثم كان - فضلا عن كل ذلك - من الذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، وممن أوصى بعضهم بعضا بفضيلة الصبر ، وفضيلة التراحم والتعاطف .
لقد كان من الواجب عليه . . لو كان عاقلا - أن يكون من المؤمنين الصادقين ، ولكنه لتعاسته وشقائه وغروره ، لم يكن كذلك ، لأنه لا هو اقتحم العقبة ، ولا هو آمن . .
وخص - سبحانه - من أوصاف المؤمنين تواصيهم بالصبر ، وتواصيهم بالمرحمة ، لأن هاتين الصفتين على رأس الصفات الفاضلة بعد الإِيمان بالله - تعالى - .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مّؤْصَدَةُ } .
يقول تعالى ذكره : ثم كان هذا الذي قال : أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا من الذين آمنوا بالله ورسوله ، فيؤمن معهم كما آمنوا وَتَواصَوْا بالصّبْرِ يقول : وممن أوصى بعضهم بعضا بالصبر على ما نابهم في ذات الله وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ يقول : وأوصى بعضهم بعضا بالمرحمة ، كما :
حدثنا محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ قال : مَرْحَمة الناس .
وقوله تعالى : [ ثم كان ] معطوف على قوله تعالى : [ اقتحم ] ، ويتوجه فيه معاني ( فلا اقتحم ) المذكورة من النفي والتحضيض والدعاء ، ورجح أبو عمرو بن العلاء قراءته [ فك رقبة ] بقوله تعالى [ ثم كان ] ، ومعنى [ ثم كان ] أي كان وقت اقتحامه للعقبة من الذين آمنوا وليس المعنى أنه يقتحم ثم يكون بعد ذلك ، لأن الاقتحام كان يقع من غير مؤمن وذلك غير نافع .
وقوله تعالى [ وتواصوا بالصبر ] معناه : على طاعة الله تعالى وبلائه وقضائه ، وعن الشهوات والمعاصي . و [ المرحمة ] قال ابن عباس رضي الله عنه : كل ما يؤدي إلى رحمة الله تعالى ، وقال آخرون : هو التراحم وعطف بعض الناس على بعض ، وفي ذلك قوام الناس ، ولو لم يتراحموا هلكوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.