السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

أجيب : بأنه إنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله تعالى : { ثم كان من الذين آمنوا } قائماً مقام التكرير فكأنه قال : { فلا اقتحم العقبة } ولا آمن . وقال الزمخشري : هي متكرّرة في المعنى : لأنّ معنى فلا اقتحم العقبة فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً ، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك . قال أبو حيان : ولا يتيم له هذا إلا على قراءة فك فعلاً ماضياً . وعن مجاهد : أنّ قوله تعالى : { ثم كان من الذين آمنوا } يدل على أن : لا بمعنى لم ولا يلزم التكرير مع لم فإن كرّرت لا كقوله تعالى { فلا صدّق ولا صلى } فهو كقوله تعالى : { لم يسرفوا ولم يقتروا } [ الفرقان : 67 ] .

تنبيه : ثم كان معطوف على اقتحم وثم للترتيب ، والمعنى : كان وقت الاقتحام من الذين آمنوا . وقال الزمخشري : جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت ، لأنّ الإيمان هو السابق المقدّم على غيره ، ولا يثبت عمل صالح إلا به . { وتواصوا } ، أي : وصبروا وأوصى بعضهم بعضاً { بالصبر } ، أي : على الطاعة وعن المعصية والمحن التي يبتلى بها المؤمن .

{ وتواصوا بالمرحمة } ، أي : بالرحمة على عباده بأن يكونوا متراحمين متعاطفين ، أي : بما يؤدّي إلى رحمة الله تعالى .