وفي قوله { ثم كان } وجوه أحدها : أن هذا التراخي في الذكر لا في وجود فإن الإيمان مقدّم على جميع الخصال المعتدّ بها شرعأً كقوله :
إن من ساد ثم ساد أبوه *** ثم قد ساد قبل ذلك جده
أي ثم إنه أذكر ساد أبوه : وثانيها التأويل بالعاقبة أي ثم كان في عاقبة أمره ممن يموت على الإيمان . وثالثها أن الآية نزلت فيمن أتى بهذه الخصال قبل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم آمن به بعد مبعثه . فعند بعضهم يثاب على تلك الطاعات يدل عليه ما روي أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " أسلمت على ما قدّمت من الخير " ورابعها وهو أولى الوجوه عند أصحاب المعاني أن المراد تراخي الرتبة والفضيلة لأن ثواب الإيمان أكثر من ثواب العتق والصدقة . وقد يوجه البيت المذكور على هذا بأن المراد ثم ساد أبوه مع ذلك ثم ساد جده مع ما ذكر ، ولا ريب أن مجموع الأمرين أو الأمور أشرف من أن ساد هو بنفسه فقط . وحين ذكر خصال الكمال عقبه بما يدل على التكميل قائلاً { تواصوا } أي أوصى بعضهم بعضاً { بالصبر } على التكاليف الشرعية وعلى البلايا والمحن التي قلما يخلوا المؤمن عنها { وتواصوا } { بالمرحمة } أي التعاطف والتراحم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا أخواناً متعاضدين " وفي الآية نكتة لطيفة وهي أنه سبحانه ذكر في باب الكمال أمرين : فك الرقبة والإطعام ثم الإيمان ، وذكر في باب التكميل شيئين : التواصي بالصبر على الوظائف الدينية والتواصي بالتراحم ، وكل من النوعين مشتمل على التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله إلا أنه في الأول قدّم جانب الخلق ، وفي الثاني قدم جانب الحق . ففي الأول إشارة إلى كمال رحمته ونهاية عنايته بالمخلوقات فإن رعاية مصالحهم عنده أهمّ ، وفي الآخر رمز إلى حسن الأدب وتعليم للمكلفين أن يعرفوا ما هو الأقدم الأهمّ في نفس الأمر زادنا الله اطلاعاً على دقائق هذا الكتاب الكريم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.