غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

1

وفي قوله { ثم كان } وجوه أحدها : أن هذا التراخي في الذكر لا في وجود فإن الإيمان مقدّم على جميع الخصال المعتدّ بها شرعأً كقوله :

إن من ساد ثم ساد أبوه *** ثم قد ساد قبل ذلك جده

أي ثم إنه أذكر ساد أبوه : وثانيها التأويل بالعاقبة أي ثم كان في عاقبة أمره ممن يموت على الإيمان . وثالثها أن الآية نزلت فيمن أتى بهذه الخصال قبل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم آمن به بعد مبعثه . فعند بعضهم يثاب على تلك الطاعات يدل عليه ما روي أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " أسلمت على ما قدّمت من الخير " ورابعها وهو أولى الوجوه عند أصحاب المعاني أن المراد تراخي الرتبة والفضيلة لأن ثواب الإيمان أكثر من ثواب العتق والصدقة . وقد يوجه البيت المذكور على هذا بأن المراد ثم ساد أبوه مع ذلك ثم ساد جده مع ما ذكر ، ولا ريب أن مجموع الأمرين أو الأمور أشرف من أن ساد هو بنفسه فقط . وحين ذكر خصال الكمال عقبه بما يدل على التكميل قائلاً { تواصوا } أي أوصى بعضهم بعضاً { بالصبر } على التكاليف الشرعية وعلى البلايا والمحن التي قلما يخلوا المؤمن عنها { وتواصوا } { بالمرحمة } أي التعاطف والتراحم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا أخواناً متعاضدين " وفي الآية نكتة لطيفة وهي أنه سبحانه ذكر في باب الكمال أمرين : فك الرقبة والإطعام ثم الإيمان ، وذكر في باب التكميل شيئين : التواصي بالصبر على الوظائف الدينية والتواصي بالتراحم ، وكل من النوعين مشتمل على التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله إلا أنه في الأول قدّم جانب الخلق ، وفي الثاني قدم جانب الحق . ففي الأول إشارة إلى كمال رحمته ونهاية عنايته بالمخلوقات فإن رعاية مصالحهم عنده أهمّ ، وفي الآخر رمز إلى حسن الأدب وتعليم للمكلفين أن يعرفوا ما هو الأقدم الأهمّ في نفس الأمر زادنا الله اطلاعاً على دقائق هذا الكتاب الكريم .

/خ20