قوله تعالى : { حتى إذا بلغ مطلع الشمس } أي : موضع طلوعها { وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً } ، قال قتادة والحسن : لم يكن بينهم وبين الشمس ستر ، وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء ، فكانوا يكونون في أسراب لهم ، حتى إذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم . وقال الحسن : كانوا إذا طلعت الشمس يدخلون الماء ، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا يتراعون كالبهائم . وقال الكلبي : هم قوم عراة ، يفترش أحدهم إحدى أذنيه ، ويلتحف بالأخرى .
فوصل إلى مطلع الشمس ف { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ْ } أي : وجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس ، إما لعدم استعدادهم في المساكن ، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم ، وعدم تمدنهم ، وإما لكون الشمس دائمة عندهم ، لا تغرب عنهم غروبا يذكر ، كما يوجد ذلك في شرقي أفريقيا الجنوبي ، فوصل إلى موضع انقطع عنه علم أهل الأرض ، فضلا عن وصولهم إليه إياه بأبدانهم ، ومع هذا ، فكل هذا بتقدير الله له ، وعلمه به ولهذا قال{ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبَرًا ْ } .
{ حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس } أى : حتى إذا كر راجعا وبلغ منتهى الأرض المعمورة فى زمنه من جهة المشرق .
{ وجدها } أى الشمس { تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } أى : لم نجعل لهم من دون الشمس ما يستترون به من البناء أو اللباس ، فهم قوم عراة يسكنون الأسراب والكهوف فى نهاية المعمورة من جهة المشرق .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىَ قَوْمٍ لّمْ نَجْعَل لّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } .
يقول تعالى ذكره : ثم سار وسلك ذو القرنين طرقا ومنازل ، كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ثُمّ أتْبَعَ سَبَبا يعني منزلاً .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ثُمّ أتْبَعَ سَبَبا : منازل الأرض ومعالمها . حتى إذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا : يقول تعالى ذكره : ووجد ذو القرنين الشمس تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ، وذلك أن أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، ولا تحتمل بناء ، فيسكنوا البيوت ، وإنما يغورون في المياه ، أو يَسْرُبون في الأسراب . كما :
حدثني إبراهيم بن المستمر ، قال : حدثنا سليمان بن داود وأبو داود ، قال : حدثنا سهل بن أبي الصلت السراج ، عن الحسن تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا قال : كانت أرضا لا تحتمل البناء ، وكانوا إذا طلعت عليهم الشمس تغوروا في الماء ، فإذا غربت خرجوا يتراعون ، كما ترعى البهائم ، قال : ثم قال الحسن : هذا حديث سَمُرة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة حتى إذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا ذُكِر لنا أنهم كانوا في مكان لا يستقرّ عليه البناء ، وإنما يكونون في أسراب لهم ، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا إلى معايشهم وحروثهم ، قال : كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : وَجَدَها تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا قال : لم يبنوا فيها بناء قَطّ ، ولم يُبْنَ عليهم فيها بناء قَطّ ، وكانوا إذا طلعت عليهم الشمس دخلوا أسرابا لهم تزول الشمس ، أو دخلوا البحر ، وذلك أن أرضهم ليس فيها جبل ، وجاءهم جيش مرّة ، فقال لهم أهلها : لا تطلُعَنّ عليكم الشمس وأنتم بها ، فقالوا : لا نبرح حتى تطلع الشمس ، ما هذه العظام ؟ قالوا : هذه جِيفَ جيش طلعت الشمس ها هنا فماتوا ، قال : فذهبوا هاربين في الأرض .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا قال : بلغنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليهم بناء ، فكانوا يدخلون في أسراب لهم إذا طلعت الشمس ، حتى تزول عنهم ، ثم يخرجون إلى معايشهم .
وقال آخرون : هم الزّنج . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونها سِتْرا قال : يقال : هم الزّنْج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.