روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطۡلِعَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَطۡلُعُ عَلَىٰ قَوۡمٖ لَّمۡ نَجۡعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتۡرٗا} (90)

{ حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس } يعني الموضع الذي تطلع عليه الشمس أولاً من معمورة الأرض أي غاية الأرض المعمورة من جهة المشرق .

وقرأ الحسن . وعيسى . وابن محيصن { مَطْلِعَ } بفتح اللام ورويت عن ابن كثير وأهل مكة وهو عند المحققين مصدر ميمي والكلام على تقدير مضاف أي مكان طلوع الشمس والمراد مكاناً تطلع عليه ، وقال الجوهري إنه مكان كمكسور اللام فالقراءتان متفقتان من غير تقدير مضاف ، وقد صرح بعض أئمة التصريف أن المطلع جاء في المكان والزمان فتحاً وكسراً ، وما آثره المحققون مبني على أنه لم يرد في كلام الفصحاء بالفتح إلا مصدراً ولا حاجة إلى تخريج القرآن على الشاذ لأنه قد يخل بالفصاحة ، وقال أبو حيان : إن الكسر سماع في أحرف معدودة وهو مخالف للقياس فإنه يقتضي أن يكون مضارعه تطلع بكسر اللام ، وكان الكسائي يقول : هذه لغة ماتت في كثير من لغات العرب يعني ذهب من يقول من العرب تطلع بكسر اللام وبقي مطلع بكسرها ف ياسم الزمان والمكان على ذلك القياس انتهى فافهم ، ثم أن الظاهر من حال ذي القرنين وكونه قد أوتي من كل شيء سبباً أنه بلغ مطلع الشمس في مدة قليلة ، وقيل : بلغه في اثنتي عشرة سنة وهو خلاف الظاهر إلا أن يكون أقام في أثناء سيره فإن طول المعمورة يقطعه بأقل من هذه المدة بكثير السائر على الاستقامة كما لا يخفي على العارف بالمساحة . { وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً } أخرج ابن المنذر . وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظيمة عن ابن جريج قال : حدثت عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية لم نجعل لها من دونها ستراً بناء لم يبن فيها بناء قط كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسراباً لهم حتى تزول الشمس » وأخرج جماعة عن الحسن وذكر أنه حديث سمرة أن أرضهم لا تحمل البناء فإذا طلعت الشمس تغوروا في المياه فإذا غابت خرجوا يتراعون كما تراعى البهائم ، وقيل : المرا لا شيء لهم يسترهم من اللباس والبناء ، وهم على ما قيل قوم من الزنج ، وقيل : من الهنود ، وعن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من أهل الأرض ، عن وبعضهم خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقالوا بينك : وبينهم مسيرة يوم وليلة فبلغتهم فإذا أحدهم يفرش إحدى أذنيه ويلبس الأخرى ومعه صاحب يعرف لسانهم فقالوا له : جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشى علي ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت فادخلونا سرباً لهم فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر يصطادون الشمس ويطرحونه في الشمس فينضج لهم انتهى .

وأنت تعلم أن مثل هذه الحكايات لا ينبغي أن يلتفت إليها ويعود عليها وما هي إلا أخبار عن هيان ابن بيان يحكيها العجائز وأمثالهن لصغار الصبيان ، وعن وهب بن منبه أنه يقال لهؤلاء القوم منسك ، وظاهر الآية لوقوع النكرة فيها في سياق النفي يقتضي أنهم ليس لهم ما يسترهم أصلاً وذلك ينافي أن يكون لهم سرب ونحوه ، وأجيب بأن ألفاظ العموم لا تتناول الصور النادرة فالمراد نفي الساتر المتعارف والسرب ونحوه ليس منه ، وأنت تعلم أن عدم التناول أحد قولين في المسألة ، وقال ابن عطية : الظاهر أن نفي جعل ساتر لهم من الشمس عبارة عن قربها إليهم وتأثيرها بقدرة الله تعالى فيهم ونيلها منهم ولو كانت لهم أسراب لكان لهم ستر كثيف انتهى ، وحينئذ فالنكرة على عمومها ، وأنا أختار ذلك إلى أن تثبت صحة أحد الأخبار السابقة .