قوله تعالى : { وقلنا من بعده } أي : من بعد هلاك فرعون ، { لبني إسرائيلاسكنوا الأرض } يعني : أرض مصر والشام ، { فإذا جاء وعد الآخرة } يعني : يوم القيامة ، { جئنا بكم لفيفاً } أي : جميعاً إلى موقف القيامة . واللفيف : الجمع الكثير : إذا كانوا مختلطين من كل نوع ، يقال : لفت الجيوش إذا اختلطوا ، وجمع القيامة كذلك ، فيهم المؤمن والكافر ، والبر والفاجر . وقال الكلبي : فإذا جاء وعد الآخرة يعني : مجيء عيسى من السماء جئنا بكم لفيفاً أي : النزاع من كل قوم ، من هاهنا ومن هاهنا لفوا جميعاً .
وقلنا من بعد هلاكه لبنى إسرائيل على لسان نبينا موسى - عليه السلام - : اسكنوا الأرض التى أراد أن يستفزكم منها فرعون وهى أرض مصر .
قال الآلوسى : وهذا ظاهر إن ثبت أنهم دخلوها بعد أن خرجوا منها ، وبعد أن أغرق الله فرعون وجنده . وإن لم يثبت فالمراد من بنى إسرائيل ذرية أولئك الذين أراد فرعون استفزازهم ، واختار غير واحد أن المراد من الأرض . الأرض المقدسة ، وهى أرض الشام .
وعلى أية حال فالآية الكريمة تحكى سنة من سنن الله - تعالى - فى إهلاك الظالمين ، وفى توريث المستضعفين الصابرين أرضهم وديارهم .
ورحم الله الإِمام ابن كثير ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية . وفى هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة . مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة ، وكذلك وقع ، فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم منها ، كما قال - تعالى - :
{ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا . . . }
ولهذا أورث الله - تعالى - رسوله مكة ، فدخلها ، وقهر أهلها ، ثم أطلقهم حلماً وكرماً ، كما أورث الله القوم الذين كانوا مستضعفين من بنى إسرائيل ، مشارق الأرض ومغاربها . وأورثهم بلاد فرعون . . . .
ثم ختم - سبحانه - الآيات الكريمة بقوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } .
أى : فإذا جاء وعد الدار الآخرة ، أى : الموعد الذى حدده الله - تعالى - لقيام الساعة ، أحييناكم من قبوركم ، وجئنا بكم جميعاً أنتم وفرعون وقومه مختلطين أنتم وهم ، ثم نحكم بينكم وبينهم بحكمنا العادل .
واللفيف : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ومعناه الجماعة التى اجتمعت من قبائل شتى .
يقال : هذا طعام لفيف ، إذا كان مخلوطاً من جنسين فصاعدا .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا جانباً مما دار بين موسى - عليه السلام - وبين فرعون من محاورات ومجادلات ، وبينت لنا سنة من سنن الله - تعالى - التى لا تتخلف فى نصرة المؤمنين ، ودحر الكافرين .
ثم عادت السورة الكريمة إلى التنوية بشأن القرآن الكريم ، وأثنت على المؤمنين من أهل الكتاب الذين تأثروا تأثرا بليغاً عند سماعه ، فقال - تعالى - : { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.