الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا} (104)

{ وَقُلْنَا } { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد هلاك فرعون وقومه { لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ } يعني مصر والشام { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ } وهي الساعة { جِئْنَا بِكُمْ } من قبوركم الى موقف القيامة { لَفِيفاً } مختلطين وقد التفَّ بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز [ أحدكم ] إلى قبيلته وحيّه ، وهو من قول الجيوش إذا اختلطوا ، وكل شيء اختلط بشيء تعطّف به والتفّ .

وقال مجاهد والضحاك : [ لفيفاً ] أي جميعاً ، ووحّد اللفيف وهو خبر عن الجمع لأنه بمعنى المصدر كقول القائل : لففته لفاً ولفيفاً .

وقال الكلبي { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ } يعني مجيء عيسى ابن مريم من السماء جئنا بكم لفيفاً وقال البزّار : من ههنا وههنا ، يقول : جميعاً .

وهذه القصة تعزية لنبيّنا صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه ، يقول الله تعالى :

{ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } [ طه : 2 ] فكذبك كفار قومك من مكة كذلك آتيت موسى التوراة فكذبه فرعون وقومه ، وكما أراد أهل مكة أن يستفزّوك منها ، كذلك أراد فرعون أن يستفزّ موسى وبني إسرائيل من مصر ، فأنجيناهم منهم وأظفرتهم عليهم ، وكذلك أظفرتك على أعدائك ، وأتمّ نعمتي عليك وعلى من اتّبعك نصرةً للدين ولو كره الكافرون ، فأنجز الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وله الحمد والمنّة .