قوله تعالى :{ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء } يعني : الملائكة ، { وما كنا منزلين } وما كنا نفعل هذا ، بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون . وقيل : معناه ( ( وما أنزلنا على قومه من بعده ) ) أي : على قوم حبيب النجار من بعد قتله من جند ، وما كنا منزلين ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم ، كالطوفان والصاعقة والريح .
ثم بين - سبحانه - ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال : { وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أى : من بعده موته .
{ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء } ؛ لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك .
{ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أى : وما صح وما استقام فى حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء ، لهوان شأنهم ، وهوان قدرهم .
هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها توعد لقريش ، إذ هذا هو المروع لهم من المثال ، أي ينزل بهم من عذاب الله ما نزل بقوم حبيب النجار ، فنفى عز وجل ، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل { من جند من السماء } ، فقال مجاهد : أراد أنه لم يرسل رسولاً ولا استعتبهم ، قال ابن مسعود : أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك ، بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك ، قال قتادة : والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم ، واختلف المتأولون في قوله { وما كنا منزلين } ، فقالت فرقة { ما كنا منزلين } ، { ما } نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله ، { ما أنزلنا من جند } ، وقالت فرقة { وما } عطف على { جند } أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك{[9789]} .
رجوع إلى قصة أصحاب القرية بعد أن انقطع الحديث عنهم بذكر الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ناصحاً لهم وكان هذا الرجوع بمناسبة أن القوم قومُ ذلك الرجل .
فجملة { وما أنزلنا على قومه } الخ عطف على جملة { قيل ادخُل الجَنَّة } [ يس : 26 ] فهي مستأنفة أيضاً استئنافاً بيانياً لأن السامع يتشوف إلى معرفة ما كان من هذا الرجل ومِن أمر قومه الذين نصحهم فلم ينتصحوا فلما بيّن للسامع ما كان من أمره عطف عليه بيان ما كان من أمر القوم بعدَه .
وافتتاح قصة عقابهم في الدنيا بنفي صورة من صُور الانتقام تمهيد للمقصود من أنهم ما حلّ بهم إلا مثل ما حلّ بأمثالهم من عذاب الاستئصال ، أي لم ننزل جنوداً من السماء مخلوقة لقتال قومه ، أو لم ننزل جنوداً من الملائكة من السماء لإِهلاكهم ، وما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة من مَلَك واحد أهلكتهم جميعاً .
و { مِن } في قوله : { مِن بَعْدِهِ } مزيدة في الظرف لتأكيد اتصال المظروف بالظرف وأصلها { مِن } الابتدائية ، وإضافة { بعد } إلى ضمير الرجل على تقدير مضاف شائع الحذف ، أي بعدَ موته كقوله تعالى : { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي } [ البقرة : 133 ] .
و { مِن } في قوله : { مِن جُندٍ } مؤكدة لعموم { جُنْدٍ } في سياق النفي ، و { مِن } في قوله : { مِنَ السَّمَاءِ } ابتدائية وفي الإِتيان بحرف { مِن } ثلاثَ مرات مع اختلاف المعنى مُحسّن الجناس . وفي هذا تعريض بالمشركين من أهل مكة إذ قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم { أو تأتَي بالله والملائكة قبيلاً } [ الإسراء : 92 ] أي تأتي بالله الذي تدّعي أنه أرسلك ومعه جنده من الملائكة ليثأر لك .
فجملة { وما كُنَّا مُنزِلينَ } معترضة بين نوعي العقاب المنفي والمثبَت ، لقصد الرد على المشركين بأن سنة الله تعالى لم تجر بإنزال الجنود على المكذبين وشأن العاصين أَدْوَنُ من هذا الاهتمام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.