يقول الله تعالى : { فكان عاقبتهما } يعني الشيطان وذلك الإنسان ، { أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين } قال ابن عباس : ضرب الله هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة ، وذلك أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير عن المدينة فدس المنافقون إليهم ، وقالوا : لا تجيبوا محمداً إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم ، فإن قاتلكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم ، فأجابوهم فدربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين ، حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين ، فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله ، فكان عاقبة الفريقين النار . قال ابن عباس رضي الله عنه : فكان الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان ، وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار ، ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان أمر جريج الراهب ، فلما برأه الله مما رموا به انبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس ، وكانت قصة جريج على ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا جرير بن حازم ، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم عليه السلام ، وصاحب جريج ، وصاحب يوسف ، وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ؟ فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : أي رب أمي وصلاتي ؟ فأقبل على صلاته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات . فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم . قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هو من جريج ، فأتوه فاستنزلوه من صومعته وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه ، فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغية فولدت منك ، فقال : أين الصبي ؟ فجاؤوا به ، فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا . وبينا صبي يرضع من أمه ، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة ، فقالت أمه : اللهم اجعل ابني مثل هذا ، فترك الثدي وأقبل عليه ونظر إليه ، فقال : اللهم لا تجعلني مثله . ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع . قال : فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه ، فجعل يمصها . قال : ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون : زنيت وسرقت ، وهي تقول : حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فترك الرضاع ونظر إليها فقال : اللهم اجعلني مثلها ، فهناك تراجعا الحديث ، فقالت : مر رجل حسن الهيئة فقلت : اللهم اجعل ابني مثله ، فقلت : اللهم لا تجعلني مثله ، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت ، فقلت : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فقلت : اللهم اجعلني مثلها ، قال : إن ذاك الرجل كان جباراً فقلت اللهم لا تجعلني مثله ، وإن هذه يقولون لها : زنيت ، ولم تزن ، وسرقت ، ولم تسرق ، فقلت : اللهم اجعلني مثلها " .
وقوله - سبحانه - : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا . . } من تمام المثل الذى ضربه الله - تعالى - للمنافقين واليهود . .
أى : فكان عاقبة ذلك الشيطان وذلك الإنسان ، أنهما فى النار ، حالة كونهما خالدين فيها خلودا أبديا ، وكذلك حال المنافقين واليهود . .
{ وَذَلِكَ } الخلود فى النار { جَزَآءُ الظالمين } الذين تجاوزوا حدود الله - تعالى - وحاربوا أولياءه - سبحانه - .
والمراد بالشيطان والإنسان جنسهما ، وقد ذكر بعضهم هنا قصصا تدل على أن المراد بالإنسان شخص معين ، وقد أضربنا عنها صفحا لضعفها . .
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت المنافقين واليهود ذما شنيعا ، وأضعفت من شأنهم ، وساقت لهم من الأمثلة ما يجعل المؤمنين يستخفون بهم ، ويجاهدونهم بغلظة وشدة .
وقوله تعالى : { فكان عاقبتهما } الآية ، يحتمل الضمير أن يعود على المخصوصين المذكورين ، ويحتمل أن يعود على اسمي الجنس أي هذا هو عاقبة كل شيطان وإنسان يكون أمرهما هكذا ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «عاقبتُهما » بالرفع ، وقرأ جمهور الناس : «عاقبتَهما » بالنصب وموضع أن يخالف إعراب المعاقبة في القراءتين إن شاء الله تعالى ، وقرأ الأعمش وابن مسعود : «خالدان » بالرفع على أنه خبر «أن » ، والظرف ملغى ، ويلحق هذه الآية من الاعتراض إلغاء الظرف مرتين قاله الفراء ، وذلك جائز عند سيبويه على التأكيد .
وقول : { فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها } من تمام المثل . أي كان عاقبة الممثل بهما خسرانهما معاً . وكذلك تكون عاقبة الفريقين الممثلين أنهما خائبان فيما دبّرا وكادا للمسلمين .
وجملة { وذلك جزاء الظالمين } تذييل ، والإِشارة إلى ما يدل عليه { فكان عاقبتهما أنهما في النار } من معنى ، فكانت عاقبتهما سوأى والعاقبة السّوأى جزاء جميع الظّالمين المعتدين على الله والمسلمين ، فكما كانت عاقبة الكافر وشيطانه عاقبة سوء كذلك تكون عاقبة الممثلين بهما وقد اشتركا في ظلم أهل الخير والهدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.