الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

قوله : { كمثل الشيطان }{[68031]} إلى آخر السورة الآيات [ 16 – 24 ] .

قد ذكرنا الكاف في { كمثل الذين من قبلهم } والمعنى : مثل{[68032]} هؤلاء المنافقين في وعدهم اليهود بالنصر ، وإخلافهم إياهم وتبريهم منهم لما أجلوا من ديارهم ، كمثل الشيطان الذي غر الإنسان ووعده على كفره النصر ثم تبرأ منه لما كفر وأسلمه .

روي عن علي{[68033]} رضي الله عنه أنه قال : " إن راهبا تعبد ستين{[68034]} سنة وأن الشيطان أراده وأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنها ولها إخوة ، فقال لإخوتها عليكم بها القس فيداويها ، قال فجاءوا به إليها فداواها{[68035]} ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت هذا بك ، فأطعني أنجك مما صنعت بك ، أسجد لي سجدة{[68036]} ، فسجد [ له ]{[68037]} ، فلما سجد له/ قال : { إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين }{[68038]} .

/وعن ابن مسعود أنه قال : كانت امرأة ترعى غنما ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت{[68039]} تأوي بالليل إلى صومعة{[68040]} راهب ، فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان فقال : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مصدق يقبل{[68041]} قولك ، فقتلها ثم دفنها .

قال : فأتى{[68042]} الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة{[68043]} فجر بأختكم ، فلما أحبلها{[68044]} قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ، فقالوا : لا بل قصها علينا ، فقصها ، فقال الآخر : وأنا والله لقد{[68045]} رأيت ذلك ، وقال الآخر مثل ذلك ، فقالوا : والله ما هذا{[68046]} إلا لشيء . فانطلقوا فاستعدوا{[68047]} ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان ، فقال : إني أنا الذي أوقتعك{[68048]} في هذا ولن ينجيك منه غيري ، فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه ، قال : فسجد له . فلما{[68049]} أتوا ملكهم{[68050]} تبرأ منه وأخذ فقتل{[68051]} .

وقول الشيطان : { إني أخاف الله ( رب العالمين ){[68052]} } إنما هو على طريق التبرؤ من الإنسان ، لأنه لا يخاف الله على الحقيقة ، لأنه لو خافه ما عصاه ، ولو خافه لكان ذلك مدحا{[68053]} له .

وعن ابن عباس : أن راهبا من بني إسرائيل تعبد فأحسن عبادته ، وكان يؤتي من كل أرض فيسأل عن الفقه ، وكان عالما ، وأن ثلاثة أخوة كانت{[68054]} لهم أخت حسنة من أحسن النساء ، وأنهم أرادوا سفرا ، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها ، فقال أحدهم أنا أدلكم على من تتركونها عنده ، قالوا من هو ، قال راهب بني إسرائيل إن ماتت قال عليها وإن عاشت حفظها حتى{[68055]} ترجعوا إليها ، فعمدوا إليه ، فقالوا : إنا نريد السفر ، ولا نجد أحدا أوثق منك في أنفسنا ، ولا أحفظ لها ولي منك ولما جعل عندك فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك ، فإنها ضائعة شديدة الوجع ، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح{[68056]} إليها حتى نرجع .

فقال{[68057]} : أكفيكم إن شاء الله ، فانطلقوا وقام عليها فداواها{[68058]} حتى برئت وعاد إليها حسنها ، فأطلع إليها فوجدها متصنعة ، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها ، فحملت ثم قدمه{[68059]} الشيطان ، فزين{[68060]} له قتلها وقال{[68061]} : إن لم تقتلها افتضحت{[68062]} وعرف{[68063]} شبيهك في الولد ، فلم تكن لك معذرة فلم يزل به حتى قتلها . فلما قدم إخوتها قالوا له : ما فعلت فلانة قال ماتت فدفنتها قالوا أحسنت ، ثم جعلوا يرون في المنام ويخبرون أن الراهب هو قتلها ، وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه ، فقال له الشيطان : أنا زينت{[68064]} لك الزنا ( وقتلها بعد الزنى ){[68065]} ، فهل لك أن أنجيك ، قال : نعم ( قال : أفتطيعني ؟ قال : نعم{[68066]} ) قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له ثم قتل{[68067]} .

وقال مجاهد : الإنسان هنا عنى به الإنسان كلهم في غرور الشيطان إياهم وتبريه{[68068]} منهم ، كما غر المنافقون اليهود ووعدوهم بالنصر ، ثم ( تبرءوا{[68069]} ) منهم وأسلموهم{[68070]} .


[68031]:ع،ج: بزيادة "إذ قال للإنسان أكفر".
[68032]:ح: "كمثل".
[68033]:ع،ج: "علي بن أبي طالب".
[68034]:ع: "سنين": وهو تصحيف.
[68035]:ح: "فداوها"، ج: "فدواها".
[68036]:ح: "سجدة".
[68037]:ساقط من ح.
[68038]:انظر: جامع البيان 28/33، وابن كثير 4/342.
[68039]:ح: "فكانت".
[68040]:ع،ج: "سمعة".
[68041]:ع، ج: "يسمع".
[68042]:ع، ج: "فأتا".
[68043]:ع: "السمعة".
[68044]:ع،ج: "أحملها".
[68045]:ع: "قد".
[68046]:ح: "ما هي".
[68047]:ح: "استعدوا".
[68048]:ع،ج: "أوقعك".
[68049]:ع،ج: "قال فلما".
[68050]:ح: "مالكهم".
[68051]:انظر: تفسير ابن مسعود 636، وجامع البيان 28/33 وابن كثير 4/342، والدر المنثور 8/117 -118.
[68052]:ساقط من ع، ج.
[68053]:ع: "من حاله".
[68054]:ساقط من ع.
[68055]:ح: "تم".
[68056]:ع، ج: "فأحسن".
[68057]:ع، ج: "قال".
[68058]:ع: "وأذاواها" وهو تحريف.
[68059]:ع،ج: "بدبه" وهو تحريف.
[68060]:ع: "حتى زين"،ج: "بزين".
[68061]:ع: "قال".
[68062]:ج: "أفضحت".
[68063]:ح: "وعرفت".
[68064]:ج: "زينتك".
[68065]:ساقط من ج.
[68066]:ساقط من ج.
[68067]:انظر: جامع البيان 28/33 والدر المنثور 8/117.
[68068]:ع: "وتبرية" ج: "وتبريهم".
[68069]:ع، ج: "تبروا".
[68070]:انظر: تفسير مجاهد 653، وجامع البيان 28/33، وتفسير القرطبي 18/42.