السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

{ فكان } أي : فتسبب عن قوله ذلك أنه كان { عاقبتهما } أي : الغار والمغرور { أنهما في النار } حال كونهما { خالدين فيها } لأنهما ظلما ظلماً لا فلاح معه { وذلك } أي : العذاب الأكبر { جزاء الظالمين } أي : كل من وضع العبادة في غير موضعها ، أو هم الكافرون لقوله تعالى : { إنّ الشرك لظلم عظيم }[ لقمان : 13 ] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ضرب الله تعالى هذا المثل ليهود بني النضير ، والمنافقين من أهل المدينة فدس المنافقون إليهم ، وقالوا : لا تجيبوا محمداً إلى ما دعاكم إليه ، ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم فإنا معكم فأجابوهم ، وإن أخرجوكم خرجنا معكم فأجابوهم فدربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين فناصبوهم الحرب فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصاً ، وخذله فكان عاقبة الفريقين في النار .

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : وكانت الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان ، وطمع أهل الفسوق في الأحبار ، ورموهم بالبهتان حتى كان أمر جريج الراهب ، فلما برأه الله تعالى مما رموه به انبسطت بعده الرهبان ، وظهروا للناس وكانت قصة جريج ما روي عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم ، وصاحب جريج ، وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتت أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج ، فقال رب أمي وصلاتي وأقبل على صلاته فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته ، فقال : مثل مقالته الأولى فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات . فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم ، قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته ، فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج فأتوه فاستنزلوه ، وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : زنيت بهذه البغي فحلمت منك ، فقال : أين الصبيّ فجاؤوا به ، فقال : دعوه حتى أصلي فلما انصرف من صلاته أتى الصبيّ وطعن في بطنه ، وقال : يا غلام من أبوك ، فقال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا . والثالث : كلم أمه وهي ترضعه في قصة مشهورة » .