المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

13- عمد الكفار المتجبرون إلى القوة ، بعد أن عجزوا جميعاً عن مقاومة الدليل ، وقالوا لرسلهم : ليكونن أحد أمرين : إما أن نخرجكم من أرضنا ، وإما أن تدخلوا في ديننا ، فأوحى الله إلى الرسل قائلا : لنهلكن الكافرين لظلمهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } ، يعنون : إلا أن ترجعوا ، أو حتى ترجعوا إلى ديننا . { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

ثم حكت السورة بعد ذلك جانبا آخر من تلك المحاورات التى دارت بين الرسل وبين أعدائهم ، وجانبا مما وعد الله به رسله - عليهم السلام - وجانبا من العذاب الذى أعده للظالمين فقال - تعالى - :

{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ . . . }

قوله - سبحانه - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا . . . } حكاية لما هدد به رءوس الكفر رسلهم ، بعد أن أفحمهم الرسل بالحجة البالغة ، وبالمنطق الحكيم .

واللام فى { لنخرجكم } هى الموطئة للقسم . و " أو " للتخيير بين الأمرين .

أى : وقال الذين عنوا فى الكفر - على سبيل التهديد - لرسلهم ، الذين جاءوا لهدايتهم ، والله لنخرجنكم - أيها الرسل - من أرضنا ، أو لتعودن فى ديننا وملتنا .

قال الإِمام الرازى : " اعلم أنه - تعالى - لما حكى عن الأنبياء - عليهم السلام - أنهم قد اكتفوا فى دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه ، والاعتماد على حفظه وحياطته ، حكى عن الكفار أنهم بالغوا فى السفاهة وقالوا للأنبياء ولنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا " .

والمعنى : ليكونن أحد الأمرين لا محالة ، إما إخراجكم وإما عودكم إلى ملتنا .

والسبب فيه أن أهل الحق فى كل زمان يكونون قليلين . وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعارضدين ، فلهذا الأسباب قدروا على هذه السفاهة .

والتعبير بقوله - سبحانه - { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } يفيد بظاهرة أن الرسل كانوا على ملة الكافرين ثم تركوها ، فإن العود معناه : الرجوع إلى الشئ بعد مفارقته . وهذا محال ، فإن الأنبياء معصومون - حتى قبل النبوة - عن ارتكاب الكبائر ، فضلاً عن الشرك .

وقد أجيب عن ذلك بإجابات منها :

أن الخطاب وإن كان فى الظاهر مع الرسل ، إلا أن المقصود به أتباعهم المؤمنون ، الذين كانوا قبل الإِيمن بالرسل على دين أقوامهم ، فكأنهم يقولون لهؤلاء الاتباع : لقد كنتم على ملتنا ثم تركتموها ، فإما أن تعودوا إليها وإما أن تخرجوا من ديارنا ، إلا أن رءوس الكفر وجهوا الخطاب إلى الرسل من باب التغليب .

ومنها : أن العود عنا بمعنى الصيرورة ، إذ كثيراً ما يرد " عاد " بمعنى صار ، فيعمل عمل كان ، ولا يستدعى الرجوع إلى حالة سابقة ، لنخرجنكم من أرضنا أو لتصيرن كفاراً مثلنا .

ومنها : أن هذا القول من الكفار جار على توهمهم وظنهم ، أن الرسل كانت قبل دعوى النبوة على ملتهم ، لسكوتهم قبل البعثة عن الإِنكار عليهم ، فلهذا التوهم قالوا ما قالوا ، وهم كاذبون فيما قالوه .

وشبيه بهذه الآية قول قوم شعيب - عليه السلام - له { لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا . . . } وقول قوم لوط له { أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } وقوله - سبحانه - { لَنُهْلِكَنَّ الظالمين } الذين هددوكم بالإِخراج من الديار ، أو بالعودة إلى ملتهم

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

{ وقال الذين كفروا لرسلهم لنُخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا } حلفوا على أن يكون أحد الأمرين ، إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم ، وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد . { فأوحى إليهم ربهم } أي إلى رسلهم . { لنهلكنّ الظالمين } على إضمار القول ، أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

تغيير أسلوب الحكاية بطريق الإظهار دون الإضمار يؤذن بأن المراد ب { الذين كفروا } هنا غير الكافرين الذين تقدمت الحكاية عنهم فإن الحكاية عنهم كانت بطريق الإضمار . فالظاهر عندي أن المراد ب { الذين كفروا } هنا كفار قريش على طريقة التوجيه . وأن المراد ب { رُسُلِهم } الرسولُ محمّد صلى الله عليه وسلم أجريت على وصفه صيغة الجمع على طريق قوله : { الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون } في سورة غافر ( 70 ) . فإن المراد المشركون من أهل مكة كما هو مقتضى قوله : فسوف يعلمون وقوله : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } إلى قوله : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } [ سورة الحديد : 25 ] ، فإن المراد بالرسل في الموضعين الأخيرين الرسول محمد عليه الصلاة والسلام لأنه الرسول الذي أنزل معه الحديد ، أي القتال بالسيف لأهل الدعوة المكذبين ، وقوله : { فكذبوا رسلي } في سورة سبأ ( 45 ) على أحد تفسيرين في المراد بهم وهو أظهرهما .

وإطلاق صيغة الجمع على الواحد مجاز : إما استعارة إن كان فيه مراعاة تشبيه الواحد بالجمع تعظيماً له كما في قوله تعالى : { قال رب ارجعون } [ سورة المؤمنون : 99 ] .

وإما مجاز مرسل إذا روعي فيه قصد التعمية ، فعلاقته الإطلاق والتقييد . والعدول عن الحقيقة إليه لقصد التعمية .

فلا جرم أن يكون المراد { بالذين كفروا } هنا كفار مكة ويؤيده قوله بعد ذلك { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } فإنه لا يعرف أن رسولاً من رسل الأمم السالفة دخل أرض مكذّبيه بعد هلاكهم وامتلكها إلا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع « منزلُنا إن شاء الله غداً بالخَيْف خَيْفَ بني كنانة حيثُ تقاسموا على الكفر » .

وعلى تقدير أن يكون المراد ب { الذين كفروا } في هذه الآية نفس المراد من الأقوام السالفين فالإظهار في مقام الإضمار لزيادة تسجيل اتصافهم بالكفر حتى صار الخصلة التي يعرفون بها . وعلى هذا التقدير يكون المراد من الرسل ظاهرَ الجمع فيكون هذا التوعد سنة الأمم ويكون الإيماء إليهم به سنة الله مع رسله .

وتأكيد توعدهم بالإخراج بلام القسم ونون التوكيد ضراوة في الشر .

و ( أو ) لأحد الشيئين ، أقسموا على حصول أحد الأمرين لا محالة ، أحدهما من فعل المقسمين ، والآخر من فعل مَن خوطب بالقسم ، وليست هي { أو } التي بمعنى { إلى } أو بمعنى { إلاّ .

والعود : الرجوع إلى شيء بعد مفارقته . ولم يكن أحد من الرسل متبعاً ملّة الكفر بل كانوا منعزلين عن المشركين دون تغيير عليهم ، فكان المشركون يحسبونهم موافقين لهم ، وكان الرسُل يتجنبون مجتمعاتهم بدون أن يشعروا بمجانبتهم ، فلما جاءُوهم بالحق ظنّوهم قد انتقلوا من موافقتهم إلى مخالفتهم فطلبوا منهم أن يعودوا إلى ما كانوا يحسبونهم عليه .

والظرفية في قوله : { في ملتنا } مجازية مستعملة في التمكن من التلبس بالشيء المتروك فكأنه عاد إليه .

والملّة : الدين . وقد تقدم عند قوله تعالى : { ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً } في آخر سورة الأنعام ( 161 ) ، وانظر قوله : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً } في أوائل سورة آل عمران ( 95 ) .

وتفريع جملة { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين } على قول الذين كفروا لرسلهم { لنخرجنكم من أرضنا } [ سورة إبراهيم : 13 ] الخ تفريع على ما يَقتضيه قول الذين كفروا من العزم على إخراج الرسل من الأرض ، أي أوحى الله إلى الرسل ما يثبت به قلوبهم ، وهو الوعد بإهلاك الظالمين .

وجملة { لنهلكن الظالمين } بيان لجملة ( أوحى . . ) .

وإسكان الأرض : التمكين منها وتخويلها إياهم ، كقوله : { وأورثكم أرضهم وديارهم } [ سورة الأحزاب : 27 ] .