المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

90- وكل من أتى في الدنيا بالسيئة - وهي الشرك والمعصية - ومات على ذلك فجزاء هذا الفريق أن يكبهم الله على وجوههم في النار يوم القيامة ويقال لهم حينئذ - توبيخاً - إنكم لا تجزون اليوم إلا بسبب شرككم ومعصيتكم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

قوله تعالى : { ومن جاء بالسيئة } يعني الشرك ، { فكبت وجوههم في النار } يعني ألقوا على وجوههم ، يقال : كببت الرجل : إذا ألقيته على وجهه ، فانكب وأكب ، وتقول لهم خزنة جهنم : { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } في الدنيا من الشرك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يأتى بالسيئات فقال : { وَمَن جَآءَ بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار } .

قال ابن كثير : قال ابن مسعود : وأبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم : { مَن جَآءَ بالسيئة } أى الشرك .

ولعل مما يؤيد أن المراد بالسيئة هنا : الشرك . قوله - تعالى - : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار } لأن هذا الجزاء الشديد ، يتناسب مع رذيلة الشرك - والعياذ بالله - .

أى : ومن جاء بالفعلة الشنيعة فى السوء ، وهى الإشراك بالله { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار } أى : فألقوا بسبب شركهم فى النار على وجوههم منكوسين .

يقال : كب فلان فلانا على وجهه ، وأكبه ، إذا نكسه وقلبه على وجهه .

وفى كبهم على وجوههم فى النار ، زيادة فى إهانتهم وإذلالهم لأن الوجه هو مجمع المحاسن ، ومحل المواجهة للغير .

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } لزيادة توبيخهم وتقريعهم والجملة بإضمار قول محذوف .

أى : والذين جاءوا بالأفعال السيئة فى دنياهم ، يكبون على وجوههم فى النار يوم القيامة ، ويقال لهم على سبيل الزجر والتأنيب : ما حل بكم من عذاب هو بسبب أعمالكم وشرككم .

وكون المراد بالسيئة هنا الشرك ، لا يمنع من أن الذى يرتكب السيئات من المسلمين ، يعاقب عليها ما لم يتب منها فالله - تعالى - يقول : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

وقوله : { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } أي : مَنْ لقي الله مسيئًا لا حسنة له ، أو : قد رجحت سيئاته على حسناته ، كل بحسبه{[22209]} ؛ ولهذا قال : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } .

وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس ، رضي الله عنهم ، وأنس بن مالك ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النَّخَعي ، وأبو وائل ، وأبو صالح ، ومحمد بن كعب ، وزيد بن أسلم ، والزهري ، والسُّدِّي ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، في قوله : { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ } يعني : بالشرك .


[22209]:- في أ : "الحسنة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَآءَ بِالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : مَنْ جَاءَ الله بتوحيده والإيمان به ، وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه ، فَلَهُ من هذه الحسنة عند الله خَيرٌ يوم القيامة ، وذلك الخير أن يثيبه الله مِنْهَا الجنة ، ويؤمّنه مِنْ فَزَعِ الصيحة الكبرى وهي النفخ في الصور وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ يقول : ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه ، وجحود وحدانيته فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ في نار جهنم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثني الفضل بن دكين ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب البجلي ، قال : سمعت أبا زرعة ، قال : قال أبو هُريرة ، قال يحيى : أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال : وَهِيَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ قال : وهِيَ الشّرْكُ » .

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن النضر بن عربيّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال : من جاء بلا إله إلا الله ، وَمَنْ جَاءَ بالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ في النّارِ ، قال : بالشرك .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول : من جاء بلا إله إلا الله وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ وهو الشرك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمَنْ جاءَ بالسّيّئةِ قال : بالشرك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ قال : كلمة الإخلاص وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ قال : الشرك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد بنحوه . قال ابن جُرَيج : وسمعت عطاء يقول فيها الشرك ، يعني في قوله : وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن أبي المحجل ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : كان يحلف ما يستثني ، أن مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ قال : لا إله إلا الله ، وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ قال : الشرك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا موسى بن عُبيدة ، عن محمد بن كعب وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النارِ قال : الشرك .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص ، قال : حدثنا سعيد بن سعيد ، عن عليّ بن الحسين ، وكان رجلاً غزّاء ، قال : بينا هو في بعض خلواته حتى رفع صوته : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير قال : فردّ عليه رجل : ما تقول يا عبد الله ؟ قال : أقول ما تسمع ، قال : أما إنها الكلمة التي قال الله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ قال : الإخلاص وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ قال : الشرك .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ يعني : الشرك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ : يقول : الشرك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ قال : السيئة : الشرك الكفر .

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا حفص بن عمر العدني ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ قال : السيئة : الشرك . قال الحكم : قال عكرِمة : كل شيء في القرآن السيئة فهو الشرك . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها فمنها وصل إليه الخير ، يعني ابن عباس بذلك : من الحسنة وصل إلى الذي جاء بها الخير .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حسين الشهيد ، عن الحسن مَنْ جاءَ بالحَسَنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال : له منها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : من جاء بلا إله إلا الله ، فله خير منها خيرا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول : له منها حظّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال : له منها خير فأما أن يكون خيرا من الإيمان فلا ، ولكن منها خير يصيب منها خيرا .

حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم ، عن عكرمة ، قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال : ليس شيء خيرا من لا إله إلا الله ، ولكن له منها خير . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلهُ خَيْرٌ مِنْها قال : أعطاه الله بالواحدة عشرا ، فهذا خير منها .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ فقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة : «وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ » بِإضافة فزع إلى اليوم . وقرأ ذلك جماعة قرّاء أهل الكوفة : مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بتنوين فزع .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأَة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الإضافة أعجب إليّ ، لأنه فزع معلوم . وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة على أن ذلك في سياق قوله : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ } فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه عُني بقوله : وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله . وإذا كان ذلك كذلك ، كان لا شكّ أنه معرفة ، وأن الإضافة إذا كان معرفة به أولى من ترك الإضافة وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبين أنه خبر عن أمانه من كلّ أهوال ذلك اليوم منه إذا لم يضف ذلك ، وذلك أنه إذا لم يضف كان الأغلب عليه أنه جعل الأمان من فزع بعض أهواله .

وقوله : هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالى ذكره : يقال لهم : هل تجزون أيها المشركون إلا ما كنتم تعملون ، إذ كبكم الله لوجوهكم في النار ، وإلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا بما يسخط ربكم ، وترك «يقال لهم » اكتفاءً بدلالة الكلام عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

{ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } .

والكب : جعل ظاهر الشيء إلى الأرض . وعدي الكب في هذه الآية إلى الوجوه دون بقية الجسد وإن كان الكب لجميع الجسم لأن الوجوه أول ما يقلب إلى الأرض عند الكب كقول امرىء القيس :

يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل

وهذا من قبيل قوله تعالى { سحروا أعين الناس } [ الأعراف : 116 ] وقوله { ولما سقط في أيديهم } [ الأعراف : 149 ] وقول الأعشى :

وأقدِمْ إذا ما أعين الناس تفرق

{ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كنتم تعملون } .

تذييل للزواجر المتقدمة ، فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب . وذكر ضمائرها ابتداء من قوله { إنك لا تسمع الموتى } [ النمل : 80 ] وما بعده من الآيات إلى هنا . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل يجزون إلا ما كانوا يعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة .

ويجوز أن تكون مقولاً لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ ، أي لا يقال لكل فريق : { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } .

والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء . وورود { هل } لمعنى النفي أثبته في « مغني اللبيب » استعمالاً تاسعاً قال : « أن يراد بالاستفهام بها النفي ولذلك دخلت على الخبر بعدها ( إلا ) نحو { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } [ الرحمن : 60 ] . والباء في قوله :

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وقال في آخر كلامه : إن من معاني الإنكار الذي يستعمل فيه الاستفهام إنكار وقوع الشيء وهو معنى النفي . وهذا تنفرد به { هل } دون الهمزة . قال الدماميني في « الحواشي الهندية » قوله : يراد بالاستفهام ب { هل النفي يشعر بأن ثمة استفهاماً لكنه مجازي لا حقيقي اه .

وأقول : هذا استعمال كثير ومنه قول لبيد :

وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر

وقول النابغة :

وهل عليّ بأن أخشاك من عار

حيث جاء ب ( من ) التي تدخل على النكرة في سياق النفي لقصد التنصيص على العموم وشواهده كثيرة . ولعل أصل ذلك أنه استفهام عن النفي لقصد التقرير بالنفي . والتقدير : هل لا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، فلما اقترن به الاستثناء غالباً والحرف الزائد في النفي في بعض المواضع حذفوا النافي وأشربوا حرف الاستفهام معنى النفي اعتماداً على القرينة فصار مفاد الكلام نفياً وانسلخت ( هل ) عن الاستفهام فصارت مفيدة النفي . وقد أشرنا إلى هذه الآية عند قوله تعالى { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } في الأعراف ( 147 ) .