ثم حكى القرآن الحالة الثالثة والأخيرة التى استدل بها إبراهيم على بطلان الشرك فقال - تعالى - { فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّي هاذآ أَكْبَرُ } أى : فلما رأى إبراهيم الشمس مبتدئة فى الطلوع وقد عم نورها الآفاق ، قال مشيرا إليها { هذا رَبِّي هاذآ أَكْبَرُ } أى : أكبر الكواكب جرما وأعظمها قوة ، فهو أولى بالألوهية إن كان المدار فيها على التفاضل والخصوصية .
فقوله { هاذآ أَكْبَرُ } تأكيد لما رامه من إظهار النصفة للقوم ، ومبالغة فى تلك المجاراة الظاهرة لهم ، وتمهيد لإقامة الحجة البالغة عليهم ، واستدراج لهم إلى ما يريد أن يلقيه على مسامعهم بعد ذلك .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما وجه التذكير فى قوله { هذا رَبِّي } والإشارة للشمس ؟ قلتك جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شىء واحد ، كقولهم : ما جاءت حاجتك ومن كانت أمك ، وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ألا تراهم قالوا فى صفة الله علام ولم يقولوا علامة وإن كان العلامة أبلغ احترازاً من علامة التأنيث .
وقوله { فَلَمَّآ أَفَلَتْ } قال : { قَالَ ياقوم إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ } أى فلما غابت الشمس واحتجب ضوؤها ، جاهر إبراهيم قومه بالنتيجة التى يريد الوصول إليها فقال : يا قوم إنى برىء من عبادة الأجرام المتغيرة التى يغشاها الأفول ، وبرىء من إشراككم مع الله آلهة أخرى .
قال الآلوسى : وإنما احتج - عليه السلام - بالأفول دون البزوغ مع أنه انتقال ، لأن الأفول متعدد الدلالة أيضاً إذ هو انتقال مع احتجاب ولا كذلك البزوغ ، ولأن دلالة الأفول على المقصود ظاهرة يعرفها كل أحد ، فإن الآفل يزول سلطانه وقت الأفول .
هذا والمتأمل فى هذه الحالات الثالث يرى أن إبراهيم - عليه السلام - قد سلك مع قومه أحكم الطرق فى الاستدلال على وحدانية الله ، فقد ترقى معهم وهو يأخذ بيدهم إلى النتيجة التى يريدها بأسلوب يقنع العقول السليمة ، ورحم الله صاحب الانتصاف فقد بين ذلك بقوله : " والتعريض بضلالهم ثانيا أى فى قوله { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين } أصرح وأقوى من قوله أولا { لا أُحِبُّ الآفلين } وإنما ترقى إلى ذلك ، لأن الخصوم قد أقام عليهم بالاستدلال الأول حجة ، فأنسوا بالقدح فى معتقدهم ، ولو قيل هذا فى الأول فلعلهم كانوا ينفرون ولا يصغون إلى الاستدلال ، فما عرض - صلوات الله عليه - بأنهم فى ضلالة إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود واستماعهم إلى آخره . والدليل على ذلك أنه ترقى فى النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم والتقريع بأنهم على شرك حين تم قيام الحجة ، وتبلج الحق ، وبلغ من الظهور غاية المقصود .
{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا } أي : طالعا { قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي } أي : هذا المنير{[10921]} الطالع ربي { هَذَا أَكْبَرُ } أي : جرمًا من النجم ومن القمر ، وأكثر إضاءة . : { فَلَمَّا أَفَلَتْ } أي : غابت ، { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }
{ فَلَماّ رَأَى الشّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هََذَا رَبّي هََذَآ أَكْبَرُ فَلَمّآ أَفَلَتْ قَالَ يَقَوْمِ إِنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ } . .
يعني تعالى ذكره ( بقوله ) : فَلَمّا رأى الشّمْسَ بازِغَةً فلما رأى إبراهيم الشمس طالعة ، قالَ هَذا الطالع رَبي هَذَا أكْبَرُ يعني : هذا أكبر من الكوكب والقمر ، فحذف «ذلك » لدلالة الكلام عليه . فَلَمّا أفَلَتْ يقول : فلما غابت ، قالَ إبراهيم لقومه : يا قَوْمَ إنّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ : أي من عبادة الاَلهة والأصنام ودعائه إلها مع الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.