قوله تعالى : { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة } وذلك أنه أخذهم حر شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حراً فخرجوا ، فأظلتهم سحابة ، وهي الظلة ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم نار ، فاحترقوا ، ذكرناه في سورة هود . { إنه كان عذاب يوم عظيم* إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين* وإن ربك لهو العزيز الرحيم } .
ثم يعجل - سبحانه - ببيان عاقبتهم السيئة فيقول : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
قال الآلوسى : وذلك على ما أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، والحاكم عن ابن عباس : أن الله - تعالى - بعث عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم ، فخرجوا منها هرابا إلى البرية . فبعث الله - تعالى - عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، وهى الظلة ، فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أسقطها الله عليهم نارا .
ففى الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا : { لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ . . } فلما أرجفوا بنبى الله ومن تبعه . - أى : حاولوا زلزلتهم وتخويفهم - أخذتهم الرجفة .
وفى سورة هود قال : { وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة } وذلك لأنهم استهزءوا بنبى الله فى قولهم : { أصلاوتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ . . } فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم . .
وها هنا قالوا : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء } على وجه التعنت والعناد فناسب أن ينزل بهم ما استبعدوا وقوعه فقال : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة } .
{ الظُّلة } : السحابة ، كانت فيها صواعق متتابعة أصابتهم فأهلكتهم كما تقدم في سورة الأعراف . وقد كان العذاب من جنس ما سألوه ، ومن إسقاط شيء من السماء . وقوله : { فكذبوه } الفاء فصيحة ، أي فتبين من قولهم : { إنما أنت من المسحرين } [ الشعراء : 185 ] أنهم كذبوه ، أي تبين التكذيب والثبات عليه بما دلّ عليه ما قصدوه من تعجيزه إذ قالوا : { فأسْقط علينا كِسْفاً من السماء إن كنت من الصادقين } [ الشعراء : 187 ] . وفي إعادة فعل التكذيب إيقاظ للمشركين بأن حالهم كحال أصحاب شعيب فيوشك أن يكون عقابهم كذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكذبوه} بالعذاب، {فأخذهم عذاب يوم الظلة} وذلك أن الله عز وجل كان حبس عنهم الريح والظل، فأصابهم حر شديد، فخرجوا من منازلهم، فرفع الله عز وجل سحابة فيها عذاب بعد ما أصابهم الحر... فانقلبوا ليستظلوا تحتها، فأهلكهم الله عز وجل حرا وغما تحت السحابة، فذلك قوله عز وجل: {إنه كان عذاب يوم عظيم} لشدته.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فَكَذّبُوهُ" يقول: فكذّبه قومه "فأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ" يعني بالظلة: سحابة ظللتهم، فلما تتامّوا تحتها التهبت عليهم نارا، وأحرقتهم، وبذلك جاءت الآثار.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" فكذبوه "يعني قوم شعيب كذبوا شعيبا، فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة، وهي سحابة رفعت لهم، فلما خرجوا إليها طلبا لبردها من شدة ما أصابهم من الحر مطرت عليهم نارا فاحرقتهم، فهؤلاء أصحاب الظلة، وهم غير أهل مدين..
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَأَخَذَهُمْ} الله بنحو ما اقترحوا من عذاب الظلة إن أرادوا بالسماء السحاب، وإن أرادوا الظلة فقد خالف بهم عن مقترحهم.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قال ابن عباس: أصابهم حر شديد، فأرسل الله سبحانه سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها، فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وهذا من جنس ما سألوا، من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله، سبحانه وتعالى، جعل عقوبتهم أن أصابهم حر شديد جدا...
أقبلت إليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر، فلما اجتمعوا [كلهم] تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررًا من نار، ولهبا ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم؛ ولهذا قال: {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين؛ وذلك لأنهم قالوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88]، فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه، فأخذتهم الرجفة. وفي سورة هود قال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 94]؛ وذلك لأنهم استهزؤوا بنبي الله في قولهم: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87]. قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وهاهنا قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} على وجه التعنت والعناد، فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه. {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{الظُّلة}: السحابة، كانت فيها صواعق متتابعة أصابتهم فأهلكتهم كما تقدم في سورة الأعراف. وقد كان العذاب من جنس ما سألوه، ومن إسقاط شيء من السماء.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الظلة» في الأصل معناها القطعة من السحاب المظلّل: أي ذي الظل... يقول أغلب المفسّرين في ذيل هذه الآية: إن حرّاً شديداً محرقاً حلّ في أرضهم سبعة أيّام، ولم يهب نسيم بارد مطلقاً، فإذا قطعة من السحاب تظهر في السماء بعد السبعة أيّام وتحرك نسيم عليل فخرجوا من بيوتهم، واستظلّوا تحت السحاب من شدّة الحرّ. وفجأة سطعت من بين السحابة صاعقة مميتة بصوتها المذهل، وأحرقتهم بنارها وزلزلت الأرض وهلكوا جميعاً.