فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (189)

{ فَكَذَّبُوهُ } فاستمروا على تكذيبه وأصروا على ذلك .

{ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ } هي السحاب أقامها الله فوق رؤوسهم ، فأمطرت عليهم نارا فهلكوا ، وقد أصابهم الله بما اقترحوه لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر ، وإن أرادوا بها القطعة من السماء فقد نزل عليهم العذاب من جهتها . قال ابن عباس أرسل الله إليهم سموما من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر فحميت بيوتهم ، وغلت مياههم في الآبار والعيون ، فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين ، والسموم معهم ، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فغشيتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم ، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم ، ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعا أطبقت عليهم فهلكوا ، ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه .

وعنه أيضا أنه سئل عن قوله فأخذهم عذاب إلى آخره فقال فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقط الله عليهم نارا ، فذلك عذاب يوم الظلة ، وعنه قال : من حدثك من العلماء عذاب يوم الظلة فكذبه ، ( أقول ) فما نقول له رضي الله عنه فيما حدثنا به من ذلك مما نقلناه عنه ههنا . وقد رواه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم . ويمكن أن يقال : إنه لما كان هو البحر الذي علمه الله تأويل كتابه بدعوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : كان مختصا بمعرفة هذا الحديث دون غيره من أهل العلم ، فمن حدث بحديث عذاب يوم الظلة على وجه غير هذا الوجه الذي حدثنا به فقد وصانا بتكذيبه ، لأنه قد علمه ولم يعلمه غيره ، والله أعلم . وأضاف العذاب إلى يوم الظلة ، لا إلى الظلة تنبيها على أن لهم في ذلك اليوم عذابا غير عذاب يوم الظلة{[1336]} كذا قيل ، ثم وصف سبحانه هذا العذاب الذي أصابهم بقوله :

{ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } لما فيه من الشدة عليهم التي لا يقادر قدرها


[1336]:قوله غير عذاب يوم الظلة كذا بالأصل الذي بأيدينا وأنظره أه مصححه.