الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (189)

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد ليكة قال { الأيكة } .

وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { كذب أصحاب الأيكة المرسلين } قال : كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين ، وقد أهلكوا فيما يأتون . وكان أصحاب الأيكة مع ما كانوا فيه من الشرك استنوا سنة أصحاب مدين . فقال لهم شعيب { إني لكم رسول أمين } ، { فاتقوا الله وأطيعون } ، { وما أسألكم } على ما أدعوكم عليه أجراً في العاجل في أموالكم { إن أجري إلا على رب العالمين } ، { واتقوا الذي خلقكم والجبلة } يعني وخلق الجبلة { الأولين } يعني القرون الأولين الذين أهلكوا بالمعاصي ولا تهلكوا مثلهم { قالوا إنما أنت من المسحرين } يعني من المخلوقين { وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين } ، { فأسقط علينا كسفاً من السماء } يعني قطعاً من السماء { فأخذهم عذاب يوم الظلة } أرسل الله عليهم سموماً من جهنم ، فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر ، فحميت بيوتهم ، وغلت مياههم في الآبار والعيون ، فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين والسموم معهم ، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فتغشتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم ، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم ، ثم أنشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء ، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا تحتها جميعاً ؛ أطبقت عليهم فهلكوا ونجَّى الله شعيباً والذين آمنوا به .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب : أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ، فلما خرجوا منها ، أصابهم فزع شديد ففرقوا أن يدخلوا البيوت أن تسقط عليهم . فأرسل الله عليهم الظلة فدخل تحتها رجل قال : ما رأيت كاليوم ظلاً أطيب ولا أبرد هلموا أيها الناس ، فدخلوا جميعاً تحت الظلة ، فصاح فيهم صيحة واحدة ، فماتوا جميعاً .

وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : { أصحاب الأيكة } أصحاب شجر وهم قوم شعيب ، وأصحاب الرس : أصحاب آبار وهم قوم شعيب .

وأخرج ابن المنذر عن السدي قال : بعث شعيباً إلى أصحاب الأيكة - والأيكة غيضة - فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة .

قال : فتح الله عليهم باباً من أبواب جهنم ، فغشيهم من حره ما لم يطيقوه ، فتبردوا بالماء وبما قدروا عليه ، فبينما هم كذلك إذ رفعت لهم سحابة فيها ريح باردة طيبة ، فلما وجدوا بردها ساروا نحو الظلة ، فاتوها يتبردون بها فخرجوا من كل شيء كانوا فيه ، فلما تكاملوا تحتها طبقت عليهم بالعذاب .

فذلك قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : سلط الله الحر على قوم شعيب سبعة أيام ولياليهن حتى كانوا لا ينتفعون بظل بيت ولا ببرد ماء ، ثم رفعت لهم سحابة في البرية فوجدوا تحتها الروح ، فجعلوا يدعوا بعضهم بعضاً . حتى إذا اجتمعوا تحتها أشعلها الله عليهم ناراً . فذلك قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } فقال : بعث الله عليهم وهدة وحراً شديداً ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هراباً إلى البرية .

فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها برداً ولذة ، فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عليهم ناراً . فذلك قوله { عذاب يوم الظلة } .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : ذكر لنا أنه سلط الله عليهم الحر سبعة أيام لا يظلهم ظل ولا ينفعهم منه شيء ، فبعث الله عليهم سحابة ، فلحقوا إليها يلتمسون الروح في ظلها . فجعلها الله عليهم عذاباً فأحرقتهم . بعثت عليهم ناراً فاضطرمت فأكلتهم . فذلك عذاب يوم الظلة .

وأخرج عبد بن حميد عن علقمة { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : أصابهم الحر حتى أقلقهم من بيوتهم فخرجوا ، ورفعت لهم سحابة فانطلقوا إليها ، فلما استظلوا بها ، أرسلت إليهم فلم ينفلت منهم أحد .

وأخرج الحاكم عن زيد بن أسلم قال : كان ينهاهم عن قطع الدراهم { فأخذهم عذاب يوم الظلة } حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن مجاهد في قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : ظلل من العذاب أتاهم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : من حدثك من العلماء : ما عذاب يوم الظلة . فكذبه .

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة [ ] قال : أخذهم حر أقلقهم من بيوتهم ، فأنشئت لهم سحابة فأتوها فصيح بهم فيها والله أعلم .