اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (189)

قوله : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة } . وذلك أنَّه أخذهم حرّ شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرّاً ، فخرجوا ، فأظلتهم{[37847]} سحابة ، وهي الظُّلَّة ، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا{[37848]} . فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنَّ العذاب النازل بعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ما كان بسبب كفرهم ، بل بسبب تأثيرات الكواكب واتصالاتها على ما اتفق عليه المنجمون ؟ وإذا قام هذا الاحتمال لم يحصل{[37849]} الاعتبار بهذه{[37850]} القصص ، لأنَّ الاعتبار إنما يحصل إذا علمنا أنَّ نزول العذاب كان بسبب كفرهم ، وأيضاً فيحتمل أن ينزل العذاب محنة للمكلّفين{[37851]} كما قال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين } [ محمد : 31 ] وقد ابتلي المؤمنون بالبلاء العظيم في مواضع كثيرة ، وإذا كان كذلك لم يدلّ نزول البلاء بهم على كونهم مبطلين ؟ فالجواب{[37852]} : هذا سؤال باطل ، لأنه يقال : ما الاتصالات التي أوجبت نجاة بني إسرائيل من البحر وأغرقت فرعون وقومه في ساعة واحدة ، وما{[37853]} الاتصالات التي أوجبت الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم على القبط دون بني إسرائيل وهم معهم في بلد واحد ، وما{[37854]} الاتصالات التي نجّت لوطاً ومن معه وأهلكت قومه وهم قريب منهم ، وما الاتصالات التي أوجبت حمل الطير الأبابيل حجارة من سجيل ورمت بها أصحاب الفيل دون غيرهم ، وما الاتصالات التي فرقت البحر اثني عشر فرقاً بعدد{[37855]} أسباط بني إسرائيل ، وقلبت العصا حية تسعى ، وتلقفت{[37856]} ما صنعته السحرة ، ونتقت الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلّة ، وأخرجت الناقة من الحجر ، وأطفأت نار إبراهيم ، وكل ذلك ثابت بالتواتر لا يمكن إنكاره .

وأيضاً فإنَّ الله تعالى أنزل هذه القصص على محمد - عليه السلام{[37857]} - تسلية له وإزالة للحزن عن قلبه . فلما أخبر الله تعالى محمداً أنه هو الذي أنزل العذاب عليهم جزاءً على كفرهم علم أنَّ الأمر كذلك ، وحينئذ حصل له التسلي{[37858]} .


[37847]:في ب: فأظلهم.
[37848]:انظر: البغوي 6/338-339.
[37849]:لم يحصل: سقط من ب.
[37850]:في ب: بهذا.
[37851]:في ب: للكافرين. وهو تحريف.
[37852]:في ب: والجواب.
[37853]:في ب: وهما. وهو تحريف.
[37854]:في ب: وأما.
[37855]:في ب: بعد. وهو تحريف.
[37856]:في ب: وتلقف.
[37857]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37858]:انظر الفخر الرازي 24/164.