جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (189)

فَكَذّبُوهُ يقول : فكذّبه قومه فأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ يعني بالظلة : سحابة ظللتهم ، فلما تتامّوا تحتها التهبت عليهم نارا ، وأحرقتهم ، وبذلك جاءت الاَثار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن معاوية ، في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال : أصابهم حرّ أقلقهم في بيوتهم ، فنشأت لهم سحابة كهيئة الظلة ، فابتدروها ، فلما تتاموا تحتها أخذتهم الرجفة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، في قوله : عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال : كانوا يحفرون الأسراب ليتبرّدوا فيها ، فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرّا من الظاهر ، وكانت الظلة سحابة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم أنه سمع قَتادة يقول : بعث شُعيب إلى أمتين : إلى قومه أهل مدين ، وألى أصحاب الأيكة . وكانت الأيكة من شجر ملتفّ فلما أراد الله أن يعذّبهم ، بعث الله عليهم حرّا شديدا ، ورفع لهم العذاب كأنه سحابة فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بردها ، فلما كانوا تحتها مطرت عليهم نارا . قال : فذلك قوله : فَأخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظّلّةِ .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : ثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد ، قال : حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، قال : ثني يزيد الباهلي ، قال : سألت عبد الله بن عباس ، عن هذه الاَية فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ إنّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فقال عبد الله بن عباس : بعث الله عليهم وَمَدَةً وحرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة ، فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذّة ، فنادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسلها الله عليهم نارا . قال عبد الله بن عباس : فذلك عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله «يَوْمِ الظّلّةِ » قال : إظلال العذاب إياهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد عَذَابُ يَوْمِ الظلّةِ قال : أظلّ العذابُ قوم شُعيب .

قال ابن جُرَيج : لما أنزل الله عليهم أوّل العذاب ، أخذهم منه حرّ شديد ، فرفع الله لهم غمامة ، فخرج إليها طائفة منهم ليستظلوا بها ، فأصابهم منها رَوْحٌ وبرد وريح طيبة ، فصبّ الله عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابا ، فذلك قوله : عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر بن راشد ، قال : ثني رجل من أصحابنا ، عن بعض العلماء قال : كانوا عطّلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، ثم عطلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، ثم عطلوا حدّا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، فجعلوا كلما عطلوا حدّا وسع الله عليهم في الرزق ، حتى إذا أراد إهلاكهم سلّط الله عليهم حرّا لا يستطيعون أن يتقارّوا ، ولا ينفعهم ظلّ ولا ماء ، حتى ذهب ذاهب منهم ، فاستظلّ تحت ظُلة ، فوجد رَوْحا ، فنادى أصحابه : هلموا إلى الرّوْح ، فذهبوا إليه سراعا ، حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارا ، فذلك عذاب يوم الظلة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن ابن عباس ، قال : من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة ؟ فكذّبه .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ قوم شعيب ، حبس الله عنهم الظلّ والريح ، فأصابهم حرّ شديد ، ثم بعث الله لهم سحابة فيها العذاب ، فلما رأوا السحابة انطلقوا يؤمونها ، زعموا يستظلون ، فاضطرمت عليهم نارا فأهلكتهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ ، إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قال : بعث الله إليهم ظُلّة من سحاب ، وبعث إلى الشمس فأحرقت ما على وجه الأرض ، فخرجوا كلهم إلى تلك الظّلة ، حتى إذا اجتمعوا كلهم ، كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المِقلَى . وقوله : إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يقول تعالى ذكره : إن عذاب يوم الظلة كان عذاب يوم لقوم شُعيب عظيم .