قوله تعالى : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ، { فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } . وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويشتمونه . وقيل : نزلت في شأن عائشة . وقال الضحاك ، والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة ، فإن سكتت اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً ، يخرجن في درع وخمار ، الحرة والأمة كذلك ، فشكون ذلك إلى أزواجهن ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } الآية .
وبعد هذا الوعيد الشديد لمن آذى الله ورسوله ، جاء وعيد آخر لمن آذى المؤمنين والمؤمنات ، فقال - تعالى - : { والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا فَقَدِ احتملوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } .
أى : والذين يرتكبون فى حق المؤمنين والمؤمنات ما يؤذيهم فى أعراضهم أو فى أنفسهم أو فى غير ذلك مما يتعلق بهم ، دون أن يكون المؤمنون أو المؤمنات قد فعلوا ما يوجب أذاهم . .
{ فَقَدِ احتملوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أى : فقد ارتكبوا إثما شنيعا ، وفعلا قبيحا ، وذنبا ظاهرا بينا ، بسبب إذائهم للمؤمنين والمؤمنات .
وقال - سبحانه - هنا { بِغَيْرِ مَا اكتسبوا } ولم يقل ذلك فى الآية السابقة عليها ، لأن الناس بطبيعتهم يدفع بعضهم بعضا ، ويعتدى بعضهم على بعض ، ويؤذى بعضهم بعضا ، أما الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا تصور منهما ذلك .
وجمع - سبحانه - فى ذمهم بين البهتان والاثم المبين ، للدلالة على فظاعة ما ارتكبوه فى حق المؤمنين والمؤمنات ، إذ البهتان هو الكذب الصرحي الذى لا تقبله العقول ، بل يحيرها ويدهشا لشدته وبعده عن الحقيقة .
والإِثم المبين : هو الذنب العظيم الظاهر البين ، الذى لا يخفى قبحه على أحد .
روى ابن أبى حاتم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " " أى الربا أربى عند الله ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أربى الربا عند الله ، استحلال عرض امرئ مسلم " " ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه الآية .
ويستطرد كذلك إلى إيذاء المؤمنين والمؤمنات عامة . إيذاؤهم كذبا وبهتانا ، بنسبة ما ليس فيهم إليهم من النقائص والعيوب :
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ، فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) . .
وهذا التشديد يشي بأنه كان في المدينة يومذاك فريق يتولى هذا الكيد للمؤمنين والمؤمنات ، بنشر قالة السوء عنهم ، وتدبير المؤامرات لهم ، وإشاعة التهم ضدهم . وهو عام في كل زمان وفي كل مكان . والمؤمنون والمؤمنات عرضة لمثل هذا الكيد في كل بيئة من الأشرار المنحرفين ، والمنافقين ، والذين في قلوبهم مرض . والله يتولى عنهم الرد على ذلك الكيد ، ويصم أعداءهم بالإثم والبهتان . وهو أصدق القائلين .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَالّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ" كان مجاهد يوجه معنى قوله "يُؤْذُونَ "إلى يقفون... فمعنى الكلام على ما قال مجاهد: والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات، ويعيبونهم طلبا لشينهم "بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا" يقول: بغير ما عملوا...
وقوله: "فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِينا" يقول: فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة وبهتان: أفحش الكذب "وإثْما مُبِينا" يقول: وإثما يبينُ لسامعه أنه إثم وزور.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
قال الحسن وقتادة: إيّاكم وأذى المؤمن فإنّه حبيب ربّه أحبَّ الله فأحبّه، وغضب لربّه فغضب الله له، وإنَّ الله يحوطه ويؤذي من آذاه.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وقد ميز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأول كفرا والثاني كبيرة، فقال في أذى المؤمنين:"فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" وقد بيناه.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
في البهتان وهو ذكر الإنسان بما ليس فيه وهو أشد من الغيبة، مع أن الغيبة محرمة وهي ذكره ما فيه مما يكره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان من أعظم أذاه صلى الله عليه وسلم أذى من تابعه، وكان الأتباع لكونهم غير معصومين يتصور أن يؤذوا بالحق، قال مقيداً للكلام بما يفهم: {والذين يؤذون المؤمنين} أي الراسخين في صفة الإيمان {والمؤمنات} كذلك. ولما كان الأذى بالكذب أشد في الفساد وأعظم في الأذى قال: {بغير ما اكتسبوا} أي بغير شيء واقعوه متعمدين له حتى أباح أذاهم {فقد احتملوا} أي كلفهم أنفسهم أن حملوا {بهتاناً} أي كذباً وفجوراً زائداً على الحد موجباً للخزي في الدنيا، ولما كان من الناس من لا يؤثر فيه العار، وكان الأذى قد يكون بغير القول، قال: {وإثماً مبيناً} أي ذنباً ظاهراً جداً موجباً للعذاب في الأخرى.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ولهذا كان سب آحاد المؤمنين موجبًا للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذا التشديد يشي بأنه كان في المدينة يومذاك فريق يتولى هذا الكيد للمؤمنين والمؤمنات، بنشر قالة السوء عنهم، وتدبير المؤامرات لهم، وإشاعة التهم ضدهم.
وهو عام في كل زمان وفي كل مكان. والمؤمنون والمؤمنات عرضة لمثل هذا الكيد في كل بيئة من الأشرار المنحرفين والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، والله يتولى عنهم الرد على ذلك الكيد، ويصم أعداءهم بالإثم والبهتان.
والحق سبحانه حين شرع هذه الحدود وهذا الإيذاء، إنما شرعه ليكون عقوبة لمن يتعدّى حدود الله، وتطهيرا له من ذنبه، ثم لتكون رادعا للآخرين.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.