كما قال - تعالى - : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كالصريم } .
والطائف : مأخوذ من الطواف ، وهو المشى حول الشئ من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة . وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف فى الشر كما هنا ، ومنه قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } وعدى لفظ " طائف " بحرف " على " لتضمينه معنى : تسلط أو نزل . والصريم - كما يقول القرطبى - : الليل المظلم . . أى : احترقت فصارت كالليل الأسود .
وعن ابن عباس : كالرماد الأسود . أو : كالزرع المحصود . فالصريم بمعنى المصروم ، أى : المقطوع ما فيه . .
أى : أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطو شيئا من جنتهم للمحتاجين ، فكانت نتيجة نيتهم السيئة ، وعزمهم على الشر . . أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها ، فصارت كالشئ المحترق الذى قطعت ثماره ، ولم يبق منه شئ ينفع .
ولم يعين - سبحانه - نوع هذا الطائف ، أو كيفية نزوله ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثاتر توجب الاعتبار .
وتنكير لفظ { طَآئِفٌ } للتهويل . و { من } فى قوله { مِّن رَّبِّكَ } للابتداء والتقييد بكونه من الرب - عز وجل - لإِفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه .
قال القرطبى : فى هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإِنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم . ومثله قوله - تعالى - : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وفى الحديث الصحيح : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول فى النار . قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .
{ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } قال ابن عباس : أي كالليل الأسود . وقال الثوري ، والسدي : مثل الزرع إذا حُصِد ، أي هشيمًا يبسًا .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح : أنبأنا بشر بن زاذان ، عن عمر بن صبح{[29194]} عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والمعاصي ، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقًا قد كان هُيِّئ له " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } قد حرموا خَير جَنّتهم بذنبهم{[29195]} .
وقوله : فأصْبَحَتْ كالصّرِيمِ اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بالصريم ، فقال بعضهم : عُني به الليل الأسود ، وقال بعضهم : معنى ذلك : فأصبحت جنتهم محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا شيخ لنا عن شيخ من كلب يقال له سليمان عن ابن عباس ، في قوله : فأصْبَحَتْ كالصّرِيمِ قال : الصّريم : الليل . قال : وقال في ذلك أبو عمرو بن العلاء رحمه الله .
ألا بَكَرَتْ وَعاذِلَتِي تَلُومُ *** تُهَجّدُنِي ومَا انْكَشَفَ الصّرِيمُ
تَطاوَلَ لَيْلُكَ الجَوْنُ البَهِيمُ *** فَمَا يَنْجابُ عَنْ صُبْحٍ صَريم
إذَا ما قُلْتَ أقْشَعَ أوْ تناهَى *** جَرَتْ مِنْ كُلّ ناحِيَةٍ غُيُومُ
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فأصبحت كأرض تدعى الصريم معروفة بهذا الاسم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني نعيم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جُبير يقول : هي أرض باليمن يقال لها ضَرَوان من صنعاء على ستة أميال .
والصريم : قال الفراء ومنذر وجماعة : أراد به الليل من حيث اسودت جنتهم . وقال آخرون : أراد به الصبح من حيث ابيضت كالحصيد ، قاله سفيان الثوري : والصريم ، يقال لليل والنهار من حيث كل واحد منهما ينصرم من صاحبه ، وقال ابن عباس : الصريم ، الرماد الأسود بلغة جذيمة ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره : الصريم ، رملة باليمن معروفة لا تنبت فشبه جنتهم بها .
والصريم قيل : هو الليل ، والصريم من أسماء الليل ومن أسماء النهار لأن كل واحد منهما ينصرم عن الآخر كما سمي كل من الليل والنهار مَلْواً فيقال : المَلوَانِ ، وعلى هذا ففي الجمع بين ( أصبحتْ ) و ( الصريم ) محسن الطباق .
وقيل الصريم : الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة .
وقيل الصريم : اسم رملة معروفة باليمن لا تُنبت شيئاً .
وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني لأن تراد في الآية .