اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِيمِ} (20)

قوله : { فَأَصْبَحَتْ كالصريم } . والصرام : جذاذ النخلِ ، وأصل المادة الدلالة على القطع ، ومنه الصُّرم ، والصَّرْم - بالضم والفتح - وهو القطيعة ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

4821 - أفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَدلُّلِ*** وإنْ كنتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فأجْملِي{[57621]}

ومنه الصريمة ، وهي قطعة منصرمة عن الرمل لا تنبت شيئاً ؛ قال : [ البسيط ]

4822 - وبالصَّريمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ*** عَافٍ تَغَيَّرَ ، إلاَّ النُّؤيُ والوتِدُ{[57622]}

والصارم : القاطع الماضي ، وناقة مصرمة : انقطع لبنها ، وانصرم الشهر والسنة ، أي : قرب انفصالهما ، وأصرم زيد : ساءت حاله ، كأنه انقطع سعده .

فقوله «كالصَّريمِ » . قيل : هي الأشجار المنْصَرِم حملها .

وقال ابن عباس : كالليل ؛ لأنه يقال له : الصريم ، لسواده{[57623]} ، والصريم أيضاً : النهار وقيل : الصُّبحُ ؛ لأنه انصرم من الليلة ، قاله الأخفش . فهو من الأضداد .

وقال شمر : الصريم الليل ، والصريم النهار .

وقيل : الصريم : رملة معروفة باليمنِ لا تنبت شيئاً .

وقال الثوريُّ : كالزرع المحصود ، فالصريم بمعنى المصروم ، أي : المقطوع ما فيه .

وقال الحسنُ : صرم عنها الخير ، أي : قطع{[57624]} ، فالصريم مفعول أيضاً .

وقال المؤرج : أي : كالرملة انصرمت من معظم الرمل ، يقال : صريمة وصرائم ، فالرملة لا تنبت شيئاً ينتفع به .

وقيل : سمي الليل صريماً ؛ لأنه يقطع بظلمته عن التصرف ، ولهذا يكون «فَعِيْل » ، بمعنى «فاعل » .

قال القشيريُّ : وفي هذا نظر ؛ لأن النهار يسمى صريماً ، ولا يقطع عن التصرف .

وقيل : سمي الليل صريماً ؛ لأنه يصر نور البصر ويقطعه .

فصل في بيان أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان .

قال القرطبيُّ : في الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان . لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا على فعلهم ؛ ونظيره قوله تعالى : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }[ الحج : 25 ] .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :«إذَا التَقَى المُسلِمَانِ بِسيْفِهِمَا فالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنَّه كَانَ حريصاَ على قَتْلِ صاحِبهِ »{[57625]} . وقد مضى في آل عمران عند قوله : { وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ }[ آل عمران : 135 ] .


[57621]:ينظر ديوانه (12) والجنى الداني ص 35، وخزانة الأدب 11/222، والدر 3/16، وشرح شواهد المغني 1/20، والمقاصد 4/289 وأوضح المسالك 4/67، ورصف المباني ص52، وشرح الأشموني 2/467، ومغني اللبيب 1/13، وهمع الهوامع 1/112.
[57622]:تقدم.
[57623]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/190) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/394) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[57624]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/157) عن الحسن.
[57625]:أخرجه البخاري 14/199، كتاب الديات، باب قول الله (ومن أحياها) (6875)، ومسلم 4/2213، كتاب الفتن، باب إذا توجه المسلمان (14-2888).