وكان ذلك كله رحمة من الله بالبشر إلى يوم الدين :
( رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ) . .
وما تتجلى رحمة الله بالبشر كما تتجلى في تنزيل هذا القرآن ، بهذا اليسر ، الذي يجعله سريع اللصوق بالقلب ، ويجعل الاستجابة له تتم كما تتم دورة الدم في العروق . وتحول الكائن البشري إلى إنسان كريم ، والمجتمع البشري إلى حلم جميل ، لولا أنه واقع تراه العيون !
إن هذه العقيدة - التي جاء بها القرآن - في تكاملها وتناسقها - جميلة في ذاتها جمالاً يحبّ ويعشق ؛ وتتعلق به القلوب ! فليس الأمر فيها أمر الكمال والدقة وأمر الخير والصلاح . فإن هذه السمات فيها تظل ترتفع وترتفع حتى يبلغ الكمال فيها مرتبة الجمال الحبيب الطليق . الجمال الذي يتناول الجزئيات كلها بأدق تفصيلاتها ، ثم يجمعها ، وينسقها ، ويربطها كلها بالأصل الكبير .
( رحمة من ربك )نزل بها هذا القرآن في الليلة المباركة . . ( إنه هو السميع العليم ) . يسمع ويعلم ، وينزل ما ينزل للناس على علم وعلى معرفة بما يقولون وما يعملون ، وما يصلح لهم ويصلحون به من السنن والشرائع والتوجيه السليم .
{ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا } أي : جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه{[26167]} فبأمره وإذنه وعلمه ، { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي : إلى الناس رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات ، فإن الحاجة كانت ماسة إليه ؛ ولهذا قال : { رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }
وقوله : أمْرا مِنْ عِنْدِنا إنّا كُنّا مُرْسِلِينَ يقول تعالى ذكره : في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم ، أمرا من عندنا .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : أمْرا فقال بعض نحويي الكوفة : نصب على إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال . وقال بعض نحويي البصرة : نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا . قال : وكذلك قوله : رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال : ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها ، فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقوله : إنّا كُنّا مُرْسِلِينَ يقول تعالى ذكره : إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ يقول : إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا ، وأرسلنا من رسلنا إليهم ، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم ، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم ، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم .
{ رحمة من ربك } بدل من { إنا كنا منذرين } أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم ، وضع الرب موضع الضمير للإشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك ، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة ب { يفرق } أو { أمرا } ، و { رحمة } مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر { من عندنا } لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا ، فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإلهية من باب الرحمة ، وقرئ { رحمة } على تلك رحمة . { إنه هو السميع العليم } يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم ، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.