الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (6)

فإن قلت : { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبِّكَ } بم يتعلق ؟ قلت : يجوز أن يكون بدلاً من قوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } و { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } مفعولاً له ، على معنى : إنا أنزلنا القرآن ؛ لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم ، وأن يكون تعليلاً ليفرق . أو لقوله : { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنآ } ورحمة : مفعولاً به ، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى : { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] أي يفصل في هذه الليلة كل أمر . أو تصدر الأوامر من عندنا ؛ لأنّ من عادتنا أن نرسل رحمتنا . وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة ؛ وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا ؛ لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع .

والأصل : إنا كنا مرسلين رحمة منا ، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذاناً بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وفي قراءة زيد بن عليّ «أمر من عندنا » على : هو أمر وهي تنصر انتصابه على الاختصاص . وقرأ الحسن : «رحمة من ربك » ، على : تلك رحمة ، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له { إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } وما بعده تحقيق لربوبيته ، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه .