وقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وأبى } بيان للموقف الجحودى الذى وقفه فرعون من الحجج والمعجزات التى طرحها أمامه موسى - عليه السلام - .
واريناه : من الرؤية البصرية المتعدية إلى مفعول واحد فلما دخلت عليها الهمزة تعدت إلى اثنين أولهما الهاء والثانى آياتنا .
والإضافة فى { آيَاتِنَا } قائمة مقام التعريف العهدى . أى : آياتنا المعهودة لموسى ، والتى على رأسها اليد والعصا .
والمعنى : ولقد أرينا فرعون بعينيه آياتنا كلها الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق نبينا موسى ، فكانت نتيجة ذلك أن كذب بها ، وأبى أن يستجيب للحق . .
كما قال - تعالى - : { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } وكما قال - سبحانه - : { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } والآية الكريمة تؤكد جحود فرعون وطغيانه بجملة من المؤكدات ، وهى لام القسم ، وقد ، والرؤية البصرية ، ولفظ " كل " الدال على الشمول والإحاطة .
والفاء فى قوله { فَكَذَّبَ } للتعقيب ، أى : فكذب بدون تريث أو تمهل .
والمفعول محذوف . أى : فكذب الآيات أو فكذب موسى بدون تردد أو تأخير .
والتعبير بقوله { فَكَذَّبَ وأبى } لزيادة ذمه وتحقير شأنه . لأنه لم يكتف بالتكذيب بل أضاف إلى ذلك الامتناع عن قبول الآيات ، والجحود لها ، والتعالى على من جاء بها كما ينبىء عنه قوله : - تعالى - بعد ذلك : { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى }
وللتذكير بالأرض هنا مناسبة في مشهد الحوار مع فرعون الطاغية المتكبر ، الذي يتسامى إلى مقام الربوبية ؛ وهو من هذه الأرض وإليها ! وهو شيء من الأشياء التي خلقها الله في الأرض وهداها إلى وظيفتها . . ( ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى )أريناه الآيات الكونية التي وجهه إليها موسى - عليه السلام - فيما حوله ، وآيتي العصا واليد يجملهما هنا لأنهما بعض آيات الله ، وما في الكون منها أكبر وأبقى . لذلك لا يفصل السياق هنا عرض هاتين الآيتين على فرعون ، فهذا مفهوم ضمنا ، إنما يفصل رده على الآيات كلها فنفهم أنه يشير إليهما . .
وقوله تعالى { ولقد أريناه } إخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم عن فرعون ، وهذا يؤيد أن الكلام من قوله { فأخرجنا } إنما هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله { كلها } عائد على الآيات التي رآها لا أنه رأى كل آية لله ، وإنما المعنى أن الله تعالى أراه آيات ، ما بكما لها فأضاف الآيات إلى ضمير العظمة تشريفاً لها ، وقوله تعالى : { وأبى } يقتضي تكسب فرعون وهذا هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب .
رجوع إلى قصص موسى عليه السلام مع فرعون . وهذه الجملة بين الجمل التي حكت محاورة موسى وفرعون وقعت هذه كالمقدمة لإعادة سَوق ما جرى بين موسى وفرعون من المحاورة . فيجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة : { قال فمن ربكما يا موسى } [ طه : 49 ] باعتبار ما يقدّر قبل المعطوف عليها من كلام حذف اختصاراً ، تقديره : فأتيَاهُ فقالاَ ما أمرناهما أن يقولاه قال فمن ربّكما الخ . المعنى : فأتياه وقالا ما أمرناهما وأريناه آياتنا كلها على يد موسى عليه السلام .
ويجوز أن تكون الجملة معترضة بين ما قبلها ، والواو اعتراضيّة .
وتأكيد الكلام بلام القسم و ( قد ) مستعمل في التعجيب من تصلّب فرعون في عناده ، وقصد منها بيان شِدّته في كفره وبيان أن لموسى آيات كثيرة أظهرها الله لفرعون فلم تُجْد في إيمانه .
وأجملت وعُممت فلم تفصل ، لأنّ المقصود هنا بيان شدّة تصلبه في كفره بخلاف آية سورة الأعراف التي قصد منها بيان تعاقب الآيات ونصرتها .
وإراءة الله إياه الآيات : إظهارها له بحيث شاهدها .
وإضافة ( آيات ) إلى ضمير الجلالة هنا يفيد تعريفاً لآيات معهودة ، فإن تعريف الجمع بالإضافة يأتي لما يأتي له التعريف باللاّم يكون للعهد ويكون للاستغراق ، والمقصود هنا الأول ، أي أرينا فرعون آياتنا التي جرت على يد موسى ، وهي المذكورة في قوله تعالى : { في تسع آيات إلى فرعون وقومه } [ النمل : 12 ] . وهي انقلاب العصا حيّة ، وتبدّل لون اليد بيضاء ، وسِنُو القحط ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والطوفان ، وانفلاق البحر . وقد استمر تكذيبه بعد جميعها حتى لما رأى انفلاق البحر اقتحمه طمعاً للظفر ببني إسرائيل .
وتأكيد الآيات بأداة التوكيد { كُلَّها } لزيادة التعجيب من عناده . ونظيره قوله تعالى : { ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها } في سورة القمر ( 41 ، 42 ) .
وظاهر صنيع المفسرين أنهم جعلوا جملة ولَقَدْ أريناهُ ءاياتنا } عطفاً على جملة { قال فمن ربكما يا موسى } [ طه : 49 ] ، وجملة { قال فمن ربكما بياناً لجملة فَكَذَّبَ وأبى } . فيستلزم ذلك أن يكون عزم فرعون على إحضار السحرة متأخّراً عن إرادة الآيات كلها فوقعوا في إشكال صحة التعميم في قوله تعالى : { آياتِنَا كُلَّهَا } وكيف يكون ذلك قبل اعتراف السحرة بأنهم غلبوا مع أن كثيراً من الآيات إنما ظهر بعد زمن طويل مثل : سني القحط ، والدم ، وانفلاق البحر . وهذا الحمل لا داعي إليه لأنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيباً .