المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

32 - إن النار ترمى بما تطاير منها كالقَصْرِ في العِظم . كأن الشرر جِمَالٌ سودٌ تضرب إلى الصفرة . هلاك يومئذ للمكذبين بأن هذه صفتها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

كأنه جمالات جمع جمال أو جمالة جمع جمل صفر فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر وقيل سود لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة والأول تشبيه في العظم وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة وقرأ حمزة والكسائي وحفص جمالة وعن يعقوب جمالات بالضم جمع جمالة وقد قرىء بها وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه بها في امتداده والتفافه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

واختلف الناس في «الجمالات » ، فقال جمهور من المفسرين : هو جمع جمال على تصحيح البناء كرجال ورجالات ، وقال آخرون أراد ب «الصفر » السود ، وأنشد على ذلك بيت الأعشى : [ الخفيف ]

تلك خيلي منه ، وتلك ركابي*** هن صفر أولادها كالزبيب{[11554]}

وقال جمهور الناس : بل «الصفر » الفاقعة لأنها أشبه بلون الشرر بالجمالات ، وقرأ الحسن «صُفُر » بضم الصاد والفاء ، وقال ابن عباس وابن جبير : «الجمالات » قلوس السفن{[11555]} وهي حبالها العظام إذا جمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام ، وقال ابن عباس : «الجمالات » قطع النحاس الكبار وكان اشتقاق هذه من اسم الجملة ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «جِمالة » بكسر الجيم لحقت التاء جمالاً لتأنيث الجمع فهي كحجر وحجارة ، وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن والأعمش : «جُمالة » بضم الجمي ، وقرأ باقي السبعة والجمهور وعمر بن الخطاب «جمالات » على ما تفسر بكسر الجيم ، وقرأ ابن عباس أيضاً وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء بخلاف عنهم «جُمالات » بضم الجيم ، واختلف عن نافع وأبي جعفر وشيبة وكان ضم الجيم فيهما من الجملة لا من الجمل وكسرها من الجمل لا من الجملة .


[11554]:قال الأعشى هذا البيت في قصيدة له يمدح بها قيس بن معد يكرب، والبيت يشير إلى خيل كريمة أهداها إليه قيس هذا، فهو يقول: إن خيلي كلها منه، ثم يصف ألوانها بأنها صفراء وأولادها مثل الزبيب في اللون، والعرب تسمي السود من الإبل أو الخيل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة، كما قيل لبيض الظباء، الأدم لأن بياضها تعلوه كدرة، والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار كان أشبه شيء بالإبل السود لما يشوبها من صفرة، وضعف بعضهم هذا القول ورأى أن هذا محال في اللغة، إذ كيف نتحدث عن شيء يشوبه لون بقلة فننسبه كله إلى هذا اللون القليل؟.
[11555]:القلوس: جمع قلس، وهو حبل غليظ من حبال السفن، ويجمع أيضا على أقلاس.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

وقوله : { كأنه جِمالات صفر } تشبيه له في حجمه ولونه وحركته في تطايره بجمالات صفر . وضمير { كأنه } عائد إلى شرر .

والجِمالات : بكسر الجيم جمع جِمالة ، وهي اسم جمع طائفة من الجمال ، أي تُشبه طوائف من الجمال متوزعة فرقاً ، وهذا تشبيه مركب لأنه تشبيه في هيئة الحجم مع لونه مع حركته . والصُفرة : لون الشرر إذا ابتعد عن لهيب ناره .

وقرأ الجمهور { جِمالات } بكسر الجيم وألف بعد اللام فهو جمع جمالة . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلفٌ { جِمالة } بكسر الجيم بدون ألف بعد اللام وهو جمع جَمَل مثل حَجَر وحِجَارة .

وقرأه رُويس عن يعقوب { جُمالات } بضم الجيم وألف بعد اللام جمع جُمالة بالضم وهي حبل تشدّ به السفينة ، ويُسمى القَلْس ( بقاف مفتوحة ولام ساكنة ) والتقدير : كأنّ الواحدة منها جُمالة ، و { صفر } على هذه القراءة نعت ل { جمالات } أو ل ( شرر ) .

قال صاحب « الكشاف » : وقال أبو العلاء ( يعني المعري ) في صفة نار قوم مدحهم بالكرم :

حَمْرَاءَ ساطعةَ الذوائب في الدُّجَى *** ترمي بكُل شَرارة كطِرَاف

شبه الشرارة بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة وكأنّه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبَجحه بما سُوِّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله : « حَمْراء » توطئةً لها ومناداة عليها وتنبيهاً للسامعين على مكانها ، ولقد عَمِي جمع الله له عَمَى الدارين عن قوله عز وعلا : { كأنَّه جمالات صفر } فإنه بمنزلة قوله كبيتتٍ أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيهاً من جهتين من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء فأبْعَدَ الله إغرابه في طِرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه اه .

وأقول : هذا الكلام ظن سوء بالمعري لم يُشمَّ من كلامه ، ولا نسبه إليه أحد من أهل نبزه وملامه ، زاد به الزمخشري في طنبور أصحاب النقمة ، لنبز المعري ولمزه نغمة .

قال الفخر : كانَ الأولى لصاحب « الكشاف » أن لا يذكر ذلك ( أي لأنه ظن سوءاً بلا دلِيل ) .

وقال الطيبي : وليس كذلك لأنه لا يخفى على مثل المعري : أن الكلام بآخره لأن الله شبّه الشرارة : أولاً حين تنفصل عن النار بالقصر في العظم ، وثانياً حين تأخذ في الارتفاع والانبساط فتنشقّ عن أعداد لا نهاية لها بالجمالات في التفرق واللون والعِظَم والثقل ، ونُظر في ذلك إلى الحيوان وأن تلك الحركات اختيارية وكل ذلك مفقود في بيته .