غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

1

ثم زاد في البيان أن أتبعه تشبيهاً آخر قائلاً { كأنه جمالات صفر } وهي جمع جمالة بمعنى جمل . ويجوز أن يكون جمع جمال كرجالات وقال أبو علي : التاء في { جمالة } لتأكيد الجمع كحجر وحجارة . أما الجمالة بالضم فهي قلوس سفن البحر أي حبالها كما مر في قوله { حتى يلج الجمل في سم الخياط } [ الأعراف :40 ] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس أنها قطع النحاس . ومعظم أهل اللغة لا يعرفونه . وقال الفراء : يجوز أن يكون الجمالات بالضم من الشيء المجمل . يقال : أجملت الحساب وجاء القوم جملة أي مجتمعين : والمعنى أن هذه الشرر ترتفع كأنها شيء مجموع غليظ أصفر والأكثرون على أن المراد بهذه الصفرة سواد يعلوه صفرة . قال الفراء : لا ترى أسود في الليل إلا وهو مشرب صفرة والشرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار كأنه أشبه شيء بالجمل الأسود الذي يشوبه شيء من الصفرة . وقال آخرون : الشرر إنما يسمى شرراً ما دام مرتفعاً وحينئذ يكون ناراً وإذا كان ناراً كان أصفر فاقعاً . واعلم أنه عز اسمه شبه الشرر في العظم والارتفاع بالقصر ثم شبهه مع ذلك في اللون والكثرة والتابع وسرعة الحركة بالجمالات الصفر . ثم نقل عن ابن عباس أنه قال : هذا التشبيه إنما ورد على ما هو معتاد في بلاد العرب . وقصورهم قصيرة السمك جارية مجرى الخيمة . فسمع أبو العلاء ذلك فشبه الشرر بالطراف وهو الخيمة من الأديم قال :

حمراء ساطعة الذوائب في الد *** جى ترمي بكل شرارة كطراف

فزعم صاحب الكشاف أنه أراد معارضة المعجز . قال الإمام فخر الدين الرازي : كان الأولى بصاحب الكشاف أن لا يذكر ذلك لأنه أخذ مقتبساً تابعاً ، والمعجز أظهر حالاً وأجل منصباً من أن يتصدى لمعارضته أحد بعد استقرار أمره ويلتفت إلى المعارض ، وإذ قد ذكر صاحب الكشاف ذلك فلنذكر التفاوت بين القرآن وبين كلام أبي العلاء وذلك من وجوه الأول : قيل : إن لون الأديم قريب من لون الشرارة إلا أن الجمالات متحركة كالشرارة دون الخيمة . الثاني أن القصر موضع الأمن وتشبيه الشرارة به إشارة إلى أن الكافر إنما يعذب بآفة من الموضع الذي يتوقع منه الأمن وهو دينه وملته التي ظن أنه منها على شيء ، وليست الخيمة موضع الأمن الكلي الثالث أن الشرر متتابعة كالجمال ولا كذلك الطراف الرابع أن العرب اعتقدوا أن الجمال في ملك الجمال وتمام النعم في حصول النعم . ففي الآية إشارة إلى أنكم كنتم تعدون الجمال فخذوا هذه الشرارات التي هي كالجمالات وهذا التهكم غير موجود في الشعر . الخامس أن الإبل إذا نفرت وشردت متتابعة نال من وقع فيما بينهما بلاء شديد . فتشبيه الشرر بها يفيد كمال الضرر والطراف ليس كذلك . السادس أن القصر يكون أعظم غالباً من الطراف والجمالات وهي جمع الجمع تكون أكثر عدداً من الطراف والغرض التوكيد فيكون تشبيه القرآن أبلغ في المعنى المقصود . السابع أن التشبيه بشيئين كالقصر والجمالات في إثبات الوصفين كالعظم والصفرة أقوى في ثبوت الوصفين من التشبيه بشيء واحد للوصفين بعينهما ، لأن الأول كالمبين المفصل ، والثاني كالمجمل المبهم إذ يحتمل أن يكون وجه التشبيه واحداً منهما فقط . الثامن أن الإنسان إنما يكون طيب العيش إذا كان وقت الانطلاق راكباً ووقت النزول راقداً في الظل فكأنه قيل في الآية على سبيل التهكم مركوبكم هذه الجمالات من الشرر وظلكم في مثل هذا القصر ولو شبه بالطرف لم يحصل هذا المقصود . التاسع أن تطاير القصر وهو من اللبن والحجر والخشب في الهواء أغرب من تطاير الخيمة وهي خفيفة الحجم . العاشر أن سقوط القصر أفظع وأهول من سقوط الطراف هذه خلاصة كلام الإمام في هذا المقام أوردناها لئلا يكون كتابنا خالياً من فوائد تفسيره .

/خ50