معاني القرآن للفراء - الفراء  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

وقوله عز وجل : { كَالْقَصْرِ }

يريد : القصر من قصور مياه العرب ، وتوحيده وجمعه عربيان ، قال الله تبارك وتعالى : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّون الدُّبَر } ، معناه : الأدبار ، وكأن القرآن نزل على ما يَستحب العرب من موافقة المقاطع ، ألا ترى أنه قال : { إِلَى شيء نُّكُرٍ } ، فثقل في ( اقْتَربَت ) ؛ لأن آياتها مثقلة ، قال : { فَحاسَبْناها حِسَاباً شَدِيداً وعذَّبناها عَذاباً نُّكْراً } . فاجتمع القراء على تثقيل الأول ، وتخفيف هذا ، ومثله : { الشَّمْسُ والْقَمَرُ بحُسْبَانٍ } ، وقال : { جَزَاء مِّنْ رَبِّكَ عَطاء حِساباً } فأجريت رءُوس الآيات على هذه المجاري ، وهو أكثر من أن يضبطه الكتاب ، ولكنك تكتفي بهذا منه إن شاء الله .

ويقال : كالقَصَر كأصول النخل ، ولست أشتهي ذلك ؛ لأنها مع آيات مخففة ، ومع أن الْجَمَلَ إنما شُبه بالقصر ، ألا ترى قوله جل وعز : { كَأَنَّهُ جِمالاتٌ صُفْر } ، والصُّفر : سُود الإبل ، لا ترى أسوَدَ من الإبل إلاّ وهو مشربٌ بصفرة ، فلذلك سمتِ العربُ سودَ الإبل : صفرا ، كما سمّوا الظبَّاء : أُدْمًا لما يعلوها من الظلمة في بياضها ، وقد اختلف القراء في «جمالات » فقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه : «جمالةٌ » .

قال : [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : وحدثني محمد بن الفضل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب ( رحمه الله ) أنه قرأ : «جِمالاتٌ » وهو أحب الوجهين إلىّ ؛ لأن الجِمالَ أكثرُ من الجمالة في كلام العرب . وهي تجوز ، كما يقال : حجر وحجارة ، وذَكَر وذِكاره إلاّ أن الأول أكثر ، فإذا قلت : جِمالات ، فواحدها : جِمال ، مثل ما قالوا : رجالٌ ورجالات ، وبيوت وبيوتات ، فقد يجوز أن تجعل واحد الجمالات جمالة ، [ وقد حكى عن بعض القراء : جُمالات ] ، فقد تكون من الشيء المجمل ، وقد تكون جُمالاتٌ جمعا من جمع الجِمال . كما قالوا : الرَّخِلُ والرُّخالُ ، والرِّخال .