أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات ، من سائر دواب الأرض ، صغيرها وكبيرها ، بحريها ، وبريها ، وأنه { يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } أي : يعلم أين مُنتهى سيرها في الأرض ، وأين تأوي إليه من وكرها ، وهو مستودعها .
وقال علي بن أبي طلحة وغيره ، عن ابن عباس : { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } أي : حيث تأوي ، { وَمُسْتَوْدَعَهَا } حيث تموت .
وعن مجاهد : { مُسْتَقَرَّهَا } في الرحم ، { وَمُسْتَوْدَعَهَا } في الصلب ، كالتي في الأنعام : وكذا روي عن ابن عباس والضحاك ، وجماعة . وذكر{[14491]} -ابن أبي حاتم أقوال المفسرين هاهنا ، كما ذكره عند تلك الآية :{[14492]} فالله أعلم ، وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك ، كما قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ، وقوله{[14493]} : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] .
عطف على جملة : { يعلم ما يُسرّون وما يعلنون } [ هود : 5 ] . والتقدير : وما من دابّة إلاّ يعلم مُستقرها ومُستودعها ، وإنما نُظم الكلام على هذا الأسلوب تفنناً لإفادة التنصيص على العموم بالنفي المؤكد ب ( من ) ، ولإدماج تعميم رزق الله كل دابّة في الأرض في أثناء إفادة عموم علمه بأحوال كل دابة ، فلأجل ذلك أخّرَ الفعل المعطوف لأن في التذكير بأن الله رازق الدواب التي لا حيلة لها في الاكتساب استدلالاً على أنّه عليم بأحوالها ، فإن كونه رازقاً للدواب قضية من الأصول الموضوعة المقبولة عند عموم البشر ، فمن أجل ذلك جعل رزق الله إياها دليلاً على علمه بما تحتاجه .
والدابة في اللغة : اسم لما يدب أي يمشي على الأرض غير الإنسان .
وزيادة { في الأرض } تأكيد لمعنى { دابة } في التنصيص على أن العموم مستعمل في حقيقته .
والرزق : الطعام ، وتقدم في قوله تعالى : { وجد عندها رزقاً } [ آل عمران : 37 ] .
والاستثناء من عموم الأحوال التابع لعموم الذوات والمدلول عليه بذكر رزقها الذي هو من أحوالها .
وتقديم { على الله } قبل متعلقه وهو { رزقها } لإفادة القصر ، أي على الله لا على غيره ، ولإفادة تركيب { على الله رزقها } معنى أن الله تكفّل برزقها ولم يهمله ، لأن ( على ) تدل على اللزوم والمحقوقية ، ومعلوم أن الله لاَ يُلْزمُهُ أحدٌ شيئاً ، فما أفاد معنى اللزوم فإنّما هو التزامه بنفسه بمقتضى صفاته المقتضية ذلك له كما أشار إليه قوله تعالى : { وعداً علينا } [ الأنبياء : 104 ] وقوله : { حقاً علينا } [ يونس : 103 ] .
والاستثناء من عموم ما يسند إليه رزق الدواب في ظاهر ما يبدو للناس أنّه رزق من أصحاب الدواب ومن يربونها ، أي رزْقها على الله لا على غيره . فالمستثنى هو الكون على الله ، والمستثنى منه مطلق الكون مما يُتخيّل أنه رزاق فحصر الرزق في الكون على الله مجاز عقلي في العرف باعتبار أن الله مسبب ذلك الرزق ومُقدره .
وجملة { ويعلم مُستقرّها ومُستودَعَها } عطف على جملة الاستثناء لا على المستثنى ، أي والله يعلم مستقر كلّ دابة ومستودَعها . فليس حكم هذه الجملة بداخل في حيّز الحصر .
والمستقَرّ : محلّ استقرارها . والمستودع : محلّ الإيداع ، والإيداع : الوضع والدخر . والمراد به مستودعها في الرحم قبل بروزها إلى الأرض كقوله : { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدةٍ فمستقرً ومستودعً } في سورة [ الأنعام : 98 ] .
وتنوين { كلّ } تنوين عوض عن المضاف إليه اختصار ، أي كلّ رزقها ومستقرها ومستودعها في كتاب مبين ، أي كتابة ، فالكتاب هنا مصدر كقوله : { كتابَ الله عليكم } [ النساء : 24 ] . وهو مستعمل في تقدير العلم وتحقيقه بحيث لا يقبل زيادة ولا نقصاناً ولا تخلفاً . كما أن الكتابة يقصد منها أن لا يزاد في الأمر ولا ينقص ولا يبطل . قال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل ينق *** ض ما في المهارق الأهواء
والمُبين : اسم فاعل أبان بمعنى : أظهر ، وهو تخييل لاستعارة الكتاب للتقدير . وليس المراد أنّه موضح لمن يطَالعه لأن علم الله وقدره لا يطلع عليه أحد .
- قال الشافعي: واعلموا أن الرزق عند بعض أصحابنا: ما جعله الله قواما لبدن الناس وسائر الحيوانات، مما يتغدى به ويتنفس ويكون سببا لحياتهم. ومن أصحابنا من قال: إن الرزق ما يمكن الانتفاع به، وكل ما ينتفع به فهو رزقه من غذاء وغيره. وهذا المعنى أعم من الأول...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"وَما مِنْ دَابّةٍ فِي الأرْضِ إلاّ على اللّهِ رِزْقُها": وما تدبّ دابة في الأرض. والدابة: الفاعلة من دبّ فهو يدبّ، وهو دابّ، وهي دابة. "إلا على اللّهِ رِزْقُها "يقول: إلا ومن الله رزقها الذي يصل إليها هو به متكفل، وذلك قُوُتها وغذاؤها وما به عيشها...
وقوله: "وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّها "حيث تستقرّ فيه، وذلك مأواها الذي تأوي إليه ليلاً أو نهارا. "وَمُسْتَوْدَعَها": الموضع الذي يُودِعها، إما بموتها فيه أو دفنها...
وقال آخرون: "مُسَتَقَرّها" في الرحم، "وَمُسْتَوْدَعَها": في الصلب...
وقال آخرون: المستقرّ: في الرحم، والمستودع: حيث تموت...
وقال آخرون "مُسْتَقَرّها": أيام حياتها "وَمُسْتَوْدَعَها": حيث تموت فيه... وإنما اخترنا القول الذي اخترناه فيه، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ما رزقت الدوابّ من رزق فمنه، فأولى أن يتبع ذلك أن يعلم مثواها ومستقرّها دون الخبر عن علمه بما تضمنته الأصلاب والأرحام.
ويعني بقوله: "كُلّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ": عدد كل دابة، ومبلغ أرزاقها، وقدر قرارها في مستقرّها، ومدة لبثها في مستودعها، كلّ ذلك في كتاب عند الله مثبت مكتوب مبين، يبين لمن قرأه أن ذلك مثبت مكتوب قبل أن يخلقها ويوجدها. وهذا إخبار من الله جلّ ثناؤه الذين كانوا يثنون صدورهم ليستخفوا منه أنه قد علم الأشياء كلها، وأثبتها في كتاب عنده قبل أن يخلقها ويوجدها، يقول لهم تعالى ذكره: فمن كان قد علم ذلك منهم قبل أن يوجدهم، فكيف يخفى عليه ما تنطوي عليه نفوسهم إذا ثَنَوْا به صدورهم واستغشوا عليه ثيابهم؟
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم أتبع ذلك بما يدل على شمول العلم والقدرة معاً فقال: {وما} وأغرق في العموم بقوله: {من دآبة} و دل على أن الانتفاع بالأموال مخصوص بأهل العالم السفلي بقوله: {في الأرض} أي صغرت أو كبرت {إلا على الله} أي الملك الأعلى الذي، له الإحاطة وحده لا على غيره {رزقها} أي قوتها وما تنتفع وتعيش به بمقتضى ما أوجبه على نفسه، تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه، لأن الإفضال على كل نفس بما لا تعيش إلا به ولا يلائمها إلا هو مدة حياتها أدق مما مضى في العلم مع تضمنه لتمام القدرة، والآية مع ذلك ناظرة إلى ترغيب آية {وأن استغفروا ربكم} فالمراد: أخلصوا العبادة له ولا تفتروا عن عبادته للاشتغال بالرزق فإنه ضمنه لكم وهو عالم بكل نفس فلا تخشوا من أنه ينسى أحداً، وقال: {وفي الأرض} ليعم ما يمشي على وجهها وما في أطباقها من الديدان ونحوها مما لا يعلمه إلا هو، لقد شاهدت داخل حصاة من شاطئ بحر قبرس شديدة الصلابة كأنها العقيق الأبيض دودة عندها ما تأكل، وأخبرني الفاضل عز الدين محمد بن أحمد التكروري الكتبي أنه شاهد غير مرة في دواخل حجارة تقطع من جبل مصر الدود عنده ما يأكل من الحشيش الأخضر وما يشرب من الماء؛ ونبه بقوله: {ويعلم مستقرها} أي مكانها الذي تستقر فيه {ومستودعها} أي موضعها الذي تودع فيه قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة أو بعده من قبر أو فلاة أو غير ذلك على ما يحيط به علمه من تفاصيل السكنات والحركات ما كان منها وما يكون من كل ذلك مما يحير الفكر ويدهش الألباب، ثم جعل فاصلة الآية ما هو في غاية العظمة عند الحق وهو {كل} أي من ذلك {في كتاب مبين} فإنه ليس كل ما يعلمه العبد يقدر على كتابته ولا كل ما يكتبه يكون مبيناً بحيث إنه كلما أراد الكشف منه وجد ما يريده، وإذا وجده كان مفهماً له...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} الدب والدبيب: الانتقال الخفيف البطيء حقيقة كدبيب الطفل والشيخ المسن والعقرب والجراد أو بالإضافة كدبيب الجيش، أو مجازا كدبيب السكر والسم في الجسم، والدابة اسم عام يشمل كل نسمة حية تدب على الأرض زحفا أو على قوائم ثنتين فأكثر، قال تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع، يخلق الله ما يشاء} [النور: 45] أي مما تعلمون ومما لا تعلمون مما يدب على الأرض ومما يطير في الهواء ومما يسبح في البحار والأنهار، وغلبة لفظ الدابة على ما يركب من الخيل والبغال والحمير عرف لا لغة، ورزق الدابة غذاؤها الذي تعيش به.
والمعنى: ما من دابة من أنواع الدواب في الأرض إلا على الله رزقها على اختلاف أنواعها وأنواعه، فمنها الجنة التي لا ترى بالأبصار، وصغار الحشرات والهوام، وضخام الأجسام، والوسطى بين الكبير والصغير، وأغذية كل نوع مختلفة من نباتية وحيوانية، وقد أعطى كلا منها خلقه المناسب لمعيشته، ثم هداه إلى تحصيل غذائه بغريزته، فمنهم ما خلق له خراطيم يمص بها غذاءه من النبات أو دم الحيوان، وأعطاها من القوة ما إن خرطوم البعوضة الدقيق ليخترق جلد الإنسان وما هو أكثف منه من جلود الحيوان، ومنها ما خلق له مناقير تلتقط الحبوب، ومنها ما يمضغ النبات بأسنانه مضغا، وما يبلع الحشرات والطيور والأنعام بلعا، وما له مخالب يمزق بها اللحوم، وما له براثن يقتل بها كبار الجسوم، وتفصيل هذا له كتب خاصة من قديمة وحديثة، ولله تعالى حكم في خلقها وغذائها عجيبة، فإن خفي عليك أمر تغذي الحيات والسنانير ونحوها من خشاش الأرض وصغارها، وتغذي الأفاعي الكبرى وسباع الوحش والطير من كبارها، فأول ما ينبغي لك أن تفكر فيه من حكمتها، أنه لولا ذلك لضاقت الأرض ذرعا بكثرة أحيائها، أو لأنتنت من كثرة أمواتها، وإذا أردت زيادة العلم بها وبحكمتها فعليك بالمصنفات المدونة فيها، وقد فتحت هذه الآية وأمثالها لك أبوابها، وأرشدتك إلى تطلابها.
ولا يشكلن عليك التعبير عن كفالة الله لرزقها بقوله [على] وما قيل من دلالتها على الوجوب مع قول المتكلمين إنه لا يجب عليه تعالى شيء، فإن الممنوع أن يجب عليه تعالى شيء بإيجاب موجب ذي حكم أو سلطان يطالبه به ويحاسبه عليه، فهذا محال عقلا وشرعا، وأما ما أوجبه الله تعالى من النظام وسنن التدبير العام للمخلوقات بمقتضى علمه وحكمته ومشيئته، ونفذه بقدرته واختياره في خليقته، فهو حكمه وقضاؤه وقدره وبسلطانه، لا حكم عليه بسلطان غيره، وهو كمال مطلق لا شائبة للنقص فيه.
ولا يشكلن عليك فيها أيضا أن يكون في كل نوع من هذه الدواب حتى الإنسان أفراد قد تضيق في وجوههم أبواب الرزق حتى يقضي بعضهم جوعا، فليس معناها أن الله تعالى قد كفل لكل دابة من كل نوع أن يخلق لها ما تغتذي به، ويوصله إليها بمحض قدرته، سواء أطلبته بباعث غريزتها أو ما يهديها إليه العلم من أسباب كسبها أم لا؟ وإنما معناها ما فسرناها به من خلقه تعالى لكل منها الرزق الذي تعيش به، وأنه سخره لها وهداها إلى طلبه وتحصيله، كما قال: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] وبهذا تعلم جهل بعض العباد والشعراء فيما زعموه من أن الكسب وعدمه سواء، كقول بعض الخياليين الجاهلين، المتواكلين غير المتوكلين:
جرى قلم القضاء بما يكون فسيان التحرك والسكون.
جنون منك أن تسعى لرزق ويرزق في غشاوته الجنين.
فهذا الشاعر أحق بصفة الجنون ممن يصفهم بها، فإن ما جرى به القضاء منه ما هو مجهول للناس، ومنه ما علم نوعه بالتجارب والاختبار، ويعبر عنه بالنواميس والسنن، ومنها أن الحركة والسكون لكل منهما آثار، فما هما سيان في ذاتهما، ولا في آثارهما ونتائجهما، وأن ما قضاه وقدره من رزق الجنين في غشاوته بدم حيض أمه، غير ما قضاه وقدره من رزق من خاطبهم بقوله: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} [الملك: 15] وبغيره من آيات التسخير والتكليف...
{ويعلم مستقرها ومستودعها} أي وما من دابة في الأرض إلا ويعلم الله مستقرها حيث تستقر وتقيم، ومستودعها حيث تكون مودعة إلى حين، فهو يرزقها في كل حال بحسبه وقد بينا معنى الكلمتين في اللغة وما ورد في تفسيرهما من الآثار في تفسير {هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} [الأنعام: 98] فراجعها إن شئت في الطبعة الثانية للجزء السابع من التفسير، وقد لخص البيضاوي جملة الأقوال في مستقرها ومستودعها كعادته بقوله: أماكنها في الحياة والممات أو الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة.
{كل في كتاب مبين} أي كل واحد من الدواب وأرزاقها ومستقرها ومستودعها ثابت مرقوم في كتاب مبين ولوح محفوظ، كتب الله فيه مقادير الخلق كلها فهو عنده تحت العرض كما ثبت في الصحيح. وقد بينا ما ورد في هذا الكتاب مجملا في تفسير {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأعراف: 38] ثم مفصلا في تفسير آية مفاتح الغيب وهي 59 من هذه السورة [الأنعام] فراجعها في ج7 أيضا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد أوجب الله -سبحانه- على نفسه –مختارا- أن يرزق هذا الحشد الهائل الذي يدب على هذه الأرض. فأودع هذه الأرض القدرة على تلبية حاجات هذه المخلوقات جميعا، وأودع هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها من هذا المودع في الأرض في صورة من صوره...
وهذا الرزق مذخورٌ في هذا الكون. مقدَّرٌ من الله في سُننه التي تُرتِّب النِّتاجَ على الجهد. فلا يَقعُدَنَّ أحدٌ عن السعي وقد علِم أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضةً. ولكن السماء والأرض تزخران بالأرزاق الكافية لجميع المخلوقات. حين تطلُبها هذه المخلوقات حسب سُنّة الله التي لا تُحابي أحدا، ولا تتخَلَّف أو تَحِيدُ. إنما هو كَسْبٌ طيِّبٌ وكَسْبٌ خبيثٌ، وكلاهما يحصل من عملٍ وجهدٍ. إلا أنه يختلف في النوع والوصف. وتختلف عاقبةُ المتاعِ بهذا وذاك...
ولا نَنسى المقابلةَ بين ذِكر الدوابِّ ورزقِها هنا؛ وبين المتاع الحَسَنِ الذي ذكر في التبليغ الأول. والسياق القرآني المُحْكُم المتناسِق لا تفوته هذه اللَّفتَاتُ الأسلوبيّةُ والموضوعيّةُ، التي تشارك في رسم الجو في السياق وهاتان الآيتان الكريمتان هما بَدْءُ تعريفِ الناس بربهم الحقِّ الذي عليهم أن يَدِينوا له وحده. أي أن يعبدوه وحده. فهو العالِم المحيطُ علمُه بكل خلقه، وهو الرازق الذي لا يترك أحداً من رزقه. وهذه المعرفة ضروريّةٌ لِعَقْدِ الصِّلة بين البشر وخالِقِهم؛ ولتعبيد البشر للخالق الرازقِ العليمِ المُحيطِ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والتقدير: وما من دابّةٍ إلاّ يَعلَم مُستقَرَّها ومُستَوْدَعَها، وإنما نُظم الكلامُ على هذا الأسلوب تفنُّناً لإفادة التنصيص على العموم بالنفي المؤكد بـ (مِنْ)، ولإدماج تعميمِ رزقِ الله كلَّ دابّة في الأرض في أثناء إفادة عمومِ علمِه بأحوال كل دابة، فلأجل ذلك أخّرَ الفعل المعطوف لأن في التذكير بأن الله رازقُ الدواب التي لا حيلةَ لها في الاكتساب استدلالاً على أنّه عليمٌ بأحوالها، فإن كونه رازقاً للدواب قضيّةٌ من الأصول الموضوعةِ المقبولةِ عند عموم البشر، فمن أجْل ذلك جُعل رزقُ الله إياها دليلاً على عِلمه بما تحتاجه...
وزيادةُ {في الأرضِ} تأكيدٌ لمعنى {دابّةٍ} في التنصيص على أن العموم مستعمَلٌ في حقيقته...
والاستثناء من عموم الأحوال التابعِ لعموم الذَّوات والمدلولِ عليه بذكر رزقها الذي هو من أحوالها. وتقديم {عَلَى اللهِ} قبل متعلَّقِه وهو {رِزْقُهَا} لإفادة القَصْر، أي على الله لا على غيره، ولإفادة تركيب {على الله رزقها} معنى أن الله تكفّل برزقها ولم يُهمِله... والاستثناء من عموم ما يُسنَد إليه رزقُ الدّوَابّ في ظاهر ما يبدو للناس أنّه رزقٌ من أصحاب الدواب ومن يُرَبُّونَها، أي رزْقُها على الله لا على غيره. فالمستثنى هو الكون على الله، والمستثنى منه مطلقُ الكونِ ممّا يُتخيّل أنه رزاقٌ، فحَصْرُ الرزقِ في الكون على الله مَجازٌ عقليٌّ في العُرْف باعتبار أن الله مسبِّبُ ذلك الرزقِ ومُقَدِّرُه...
وتنوينُ {كُلٌّ} تنوينَ عِوَضٍ عن المضاف إليه اختصارٌ، أي كلُّ رزقِها ومستَقَرِّها ومستَودَعِها في كتابٍ مبِينٍ، أي كِتابةٍ، فالكِتاب هنا مصدرٌ كقوله: {كتابَ الله عليكم} [النساء: 24]. وهو مستعمل في تقدير العلم وتحقيقِه بحيث لا يَقبَل زيادةً ولا نُقصاناً ولا تَخَلُّفاً. كما أن الكتابة يُقصَد منها أن لا يُزادَ في الأمر ولا يُنقَصَ ولا يُبْطَلَ...
والمُبين: اسم فاعل أبانَ بمعنى: أظهَر، وهو تخييلٌ لاستعارة الكتاب للتقدير. وليس المراد أنّه مُوَضّح لمن يُطَالعه لأن علم الله وقدَره لا يَطّلِع عليه أحدٌ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآية السابقة أشارت إلى سعة علم الله وإِحاطته بالسر وما يخفون وما يعلنون، والآية محل البحث تُعدّ دليلا على تلك الآية المتقدمة، فإِنّها تتحدث عن الرازق لجميع الموجودات ولا يمكن يتمّ ذلك إلاّ بالإحاطة الكاملة بجميع العالم وما فيه..
تقول الآية (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) ويعلم تقلّبها وتنقلها من مكان لآخر، وحيثما كانت فإِنّ الرزق يصل إِليها منه.
وهذه الحقائق مع جميع حدودها ثابتة في كتاب مبين ولوح محفوظ في علم الله (كلُّ في كتاب مبين).
بالرغم من أنّ كلمة «دابّة» مشتقة من مادة «دبيب» التي تعني السير ببطء وبخطى قصيرة، ولكنّها من الناحية اللغوية تشمل كل حيوان يتحرك في سيره ببطء أو بسرعة، فنرى كلمة الدابة تطلق على الفرس وعلى كل حيوان يركب عليه، وواضح أنّ الكلمة في هذه الآية محل البحث تشمل جميع الحيوانات الموجودة على سطح الأرض بما فيها الحيوانات التي تدبّ في سيرها..
«الرزق»: هو العطاء المستمر، ومن هنا كان عطاء الله المستمر للموجودات رزقاً. وينبغي الالتفات إلى أن مفهوم الرزق غير منحصر في الحاجات المادية، بل يشمل كل عطاء ماديّ أو معنوي. ولذلك نقول مثلا: «اللّهم ارزقني علماً كاملا» أو نقول: «اللّهم ارزقني الشهادة في سبيلك».
والظاهر أنّ المراد من الرزق في هذه الآية الرزق المادي، ولكن إِرادة المفهوم العام الذي يندرج تحته الرزق المعنوي غير بعيد..
«المستقر» في الأصل تعني المقّر، لأن جذر هذه الكلمة في اللغة مأخوذ من «قرّ» على وزن «حرّ» وتعني كلمة القرّ البرد الشديد الذي يجعل الإِنسان والموجودات الأُخرى يركنون إلى بيوتهم، ومن هنا جاءت بمعنى التوقف والسكون أيضاً.
و «المستودع» و «الوديعة» من مادة واحدة، وهاتان الكلمتان في الأصل تعنيان «إطلاق الشيء وتركه» ولذلك تطلق عليه الأُمور غير الثابتة التي ترجع إلى حالتها الطبيعية، فُيطلق على كل أمر غير ثابت «مستودع» وبسبب رجوع الشيء إلى صاحبه الأصلي وتركه محله الذي هو فيه يسمى ذلك الشيء «وديعة» أيضاً.
فالآية أنفة الذكر تقول: لا ينبغي التصور أن الله سبحانه يرزق الدواب التي تستقر في أماكنها فحسب، بل هي حيث ما كانت وفي أي ظرف من الظروف تكون فإِنّه تعالى يوصل إِليها أرزاقها، لأنّه يعلم أماكن استقرارها، وكذلك يعلم جميع المناطق التي تنتقل إليها وترحل عنها من حيوانات بحرية مهولة الحجم، إلى أصغر الكائنات المجهرية، فإِنّه تعالى يرزق كلا منها بحسب حاجته وحاله.
وهذا الرزق ملحوظ بحيث يناسب حال الموجودات من حيث الكمية والكيفية، وهو مطابق تماماً لمقدار الحاجة والرغبة، حتى غذاء الجنين الذي في رحم أُمّه يتفاوت كل شهر عن الشهر السابق في النوعية والكمية، بل كل يوم عن اليوم السابق بالرغم ممّا يبدو من أن الدم نوع واحد لا أكثر. وكذلك الطفل في مرحلة الرضاعة حيث يبدو أن غذاءه من نوع واحد، لكن تركيب هذا الغذاء أو اللبن يختلف من يوم لآخر.
«الكتاب المبين» معناه المكتوب الواضح البيّن، ويشير إلى علم الله الواسع، وقد يعبر عنه أحياناً باللوح المحفوظ أيضاً.
ويحتمل أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أنّه لا ينبغي لأحد أن يهتم لرزقه أقلّ اهتمام، أو يحتمل سقوط اسمه وسهمه من القلم، لأنّ أسماء الجميع مثبتة في (كتاب مبين) كتاب أحصى الجميع بجلاء ووضوح!
تقسيم الأرزاق والسعي من أجل الحياة!
هناك أبحاث مهمّة في مسألة «الرزق»، ونأخذ بنظر الاعتبار هنا قسماً منها: 1 «الرزق» كما قلنا آنفاً يعني في اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن يكون رزقاً ماديّاً أو معنوياً.. فعلى هذا كل ما يكون فيه نصيب للعباد من قبل الله وينتفعون منه من مواد غذائية ومسكن وملبس أو علم وعقل وفهم وإِيمان وإِخلاص يسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص بالجوانب المادّية لم يلتفت إلى موارد استعماله في القرآن الكريم بدقة.. فالقرآن يتحدث عن الشهداء في سبيل الله بأنّهم.. (أحياء عند ربّهم يرزقون)...
مسألة تأمين الحاجات بالنسبة للموجودات الحية وبتعبير آخر تأمين رزقها من المسائل المثيرة التي تنكشف أسرارها بمرور الزمان وتَقدُّم العلم.. وتظهر كل يوم ميادين جديدة تدعو للتعجب والدهشة...
طريقة إِيصال الرزق من الله تعالى إلى الموجودات المختلفة مذهلة ومحيرة حقّاً. من الجنين الذي يعيش في بطن أُمّه ولا يعلم أحد عن أسراره شيئاً، إلى الحشرات المختلفة التي تعيش في طيّات الأرض، وفي الأشجار وعلى قمم الجبال أو في أعماق البحر، وفي الأصداف.. جميع هذه الموجودات يتكفل الله برزقها ولا تخفي على علمه، وكما يقول القرآن (...على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها).
الطريف في الآيات آنفة الذكر أنّها تعِّبُر عن الموجودات التي تطلب الرزق ب «الدّابّة» وفيها إِشارة لطيفة إلى العلاقة بين موضوع «الطاقة» و«الحركة». ونعلم أنّه حيثما تكن حركة فلابدّ لها من طاقة، أيْ ما يكون منشأً للحركة، والقرآن الكريم يبيّن في الآيات محل البحث أنّ الله يرزق جميع الموجودات المتحركة، وإذا ما توسعنا في معنى الحركة فإنّ النباتات تندرج في هذا الأمر أيضاً، لأنّ للنباتات حركة دقيقة وظريفة في نموها، ولهذا عدّوا في الفلسفة الإسلامية موضوع «النمو» واحداً من أقسام الحركة...
هل أنّ رزق كلّ أحد مقدر ومعين من أوّل عمره إلى آخره، وهل أنّه يصل إليه شاء أم أبى؟! أم أنّ عليه أن يسعى في طلبه؟
يظنّ بعض الأفراد السذّج استناداً إلى الآية آنفة الذكر، وإلى بعض الرّوايات التي تذكر أنّ الرزق مقدر ومعين، أنّه لا داعي للسعي من أجل الرزق والمعاش، فإِنّه لابدّ من وصول الرزق، ويقول بكل بساطة: إِنّ من خلق الأشداق قدّر لها الأرزاق.
إِنّ سلوك مثل هؤلاء الأفراد الذين لاحظّ لهم من المعرفة الدينية يعطي ذريعة إلى الأعداء حيث يدّعون أن الدين أحد عوامل الركود الاقتصادي وتقبل الحرمان وإماتة النشاطات الإِيجابيّة في الحياة، فيقول مثلا: إذا لم تكن الموهبة الفلانية من نصيبي فإِنّها لم تكن من رزقي قطعاً.. فلو كانت من نصيبي لوصلتني حتماً من دون تكلف عناء الكسب. وبهذا يستغل المستعمرون هذه الفرصة ليحرموا الكثير من الخلق التمتع بأسباب الحياة... في حين أن أقل معرفة بالقرآن والأحاديث الإِسلامية تكفي في بيان أنّ الإِسلام يعدّ أساس أي استفادة مادية ومعنوية للإِنسان هو السعي والجد والمثابرة، حتى أنّنا نجد في القرآن جملة بمثابة الشعار لهذا الموضوع، وهي الآية الكريمة (ليس للإِنسان إلاّ ما سعى).
وكان أئمّة المسلمين ومن أجل أن يسنّوا للآخرين نهجاً يسيرون عليه يعملون في كثير من المواقع أعمالا صعبة ومجهدة.
والأنبياء السابقون أيضاً لم يُستثنوا من هذا القانون، فكانوا يعملون على الاكتساب، من رعي الأغنام إلى الخياطة إلى نسج الدروع إلى الزراعة. فإذا كان مفهوم الرزق من الله أن نجلس في البيت وننتظر الرزق، فما كان ينبغي للأنبياء والأئمّة الذين هم أعرف بالمفاهيم الدينية أن يسعوا هذا السعي إلى الرزق!
وعلى هذا نقول: إِنّ رزق كل أحد مقدّر وثابت، إلاّ أنّه مشروط بالسعي والجد، وإذا لم يتوفر الشرط لم يحصل المشروط. وهذا كما نقول: إِن لكلّ فرد أجلا ومدة من العمر. ولكن من المسلم والطبيعيّ أن مفهوم هذا الكلام لا يعني أنّ الإِنسان حتى لو أقدم على الانتحار أو أضرب عن الطعام فإِنّه سيبقى حيّاً إلى أجل معيّن!! إِنّما مفهوم هذا الكلام أن للبدن استعداداً للبقاء إلى مدّة معينة ولكن بشرط أن يراعي الظروف الصحيّة وأن يبتعد عن الأخطار، وأن يجنّب نفسه عمّا يكون سبباً في تعجيل الموت.
المسألة المهمّة في هذا المجال أنّ الآيات والرّوايات المتعلقة بتقدير الرزق في الواقع بمثابة الكابح للأشخاص الحريصين وعبّاد الدنيا الذين يلجون كل باب، ويرتكبون أنوا ع الظلم والجنايات، ويتصورون أنّهم إذا لم يفعلوا ذلك لم يؤمنوا حياتهم!
إِنّ آيات القرآن والأحاديث الإِسلامية تحذر هذا النمط من الناس ألاّ يمدّوا أيديهم وأرجلهم عبثاً، وألاّ يطلبوا الرزق من طرق غير مشروعة ولا معقولة، بل يكفي أن يسعوا لتحصيل الرزق عن طريق مشروع، والله سبحانه يضمن لهم الرزق فالله الذي لم ينسهم في ظلمة الرحم.
الله الذي تكفّل رزقهم أيّام الطفولة حيث هيأ لهم أثداء الأمّهات
الله الذي جعل الأب يسعى من الصباح إلى الليل ليهيئ لهم الغذاء بكل عطف وشفقة بعد أن أنهوا مرحلة الرضاعة وهو مسرور بالتعب من أجلهم...
أجل، هذا الرّب الرحيم كيف يمكن أن ينسى الإِنسان إذا ما كبر ووجد القدرة على العمل والكسب.
تُرى هل يجيز الإِيمان والعقل أن يلجأ الإِنسان إلى الظلم والإِثم والتجاوز على حقوق الآخرين ويحرص على غصب حقوق المستضعفين بمجرّد أنّه يظن عدم توفر رزقه؟
وبالطبع لا يمكن أن ننكر أن بعض الأرزاق تصل إلى الإِنسان سعى لها أم لم يسع. فهل يمكن أن ننكر أن نور الشمس يضيء في بيتنا من دون سعينا، وأن المطر والهواء يصلان إِلينا دون سعي منّا؟
وهل يمكن أن ننكر أنّ العقل والفكر والاستعداد المذخور فينا من أوّل يوم وجودنا لم يكن بسعينا؟!
ولكن هذه المواهب التي تنقلها إِلينا الريح كما يقال أو بتعبير أصحّ هذه المواهب التي وصلتنا بلطف الله ومن دون سعينا، إذا لم نحافظ عليها بالجد والسعي بطريقة صحيحة فستضيع من أيدينا، أو أنّها ستبقى بلا أثر!
هناك كلام معروف منقول عن الإِمام علي (عليه السلام) في شأن الرزق فيقول «واعلم يا بني أن الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك» 68 وفي هذا الكلام إِشارة إلى هذه الحقيقة.
كما لا ينكر أن بعض موارد الرزق لا يأتي تبعاً لشيء ظاهر وملموس، بل يصلنا على أثر سلسلة من الاتفاقات والمصادفات، هذه الحوادث وإِن كانت في نظرنا مصادفات، إلاّ أنّها في الواقع وفي نظام الخلق قائمة على حساب دقيق. ولاشك أن حساب هذا النوع من الرزق منفصل عن الأرزاق التي تأتي تبعاً للجد والسعي، والكلام آنف الذكر يمكن أن يشير إلى هذا المطلب أيضاً.
ولكن على كل حال فإِن النقطة الأساسية هنا أنّ جميع التعاليم الإِسلامية تأمرنا أن نسعى أكثر فأكثر لتأمين نواحي الحياة المادية والمعنوية، وأن الفرار من العمل بزعم أن الرزق مقسوم وأنّه آت لا محالة غير صحيح!..
في الآيات المتقدمة التي هي محل البحث إِشارة إلى «الرزق» فحسب، وبعدها ببضعة آيات يأتي التعبير عن التائبين والمؤمنين ويشار فيها إلى «المتاع الحسن».
وبالموازنة والمقارنة بين هذين الأمرين يدلنا هذا الموضوع على أن الرزق معدّ لكل دابة من إنس وحشرات وحيوانات مفترسة... الخ. وللمحسنين والمسيئين جميعاً!... إِلاّ أن «المتاع الحسن» والمواهب الجديرة والثمينة خاصّة بالمؤمنين الذين يطهرون أنفسهم من كل ذنب وتلوّث بماء التوبة، ويتمتعون بنعم الله في مسير طاعته، لا في طريق الهوى والهوس!