تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (6)

وقوله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) قال بعضهم : عنى بالدابة الممتحن بها ، وهي[ في الأصل وم : وهو ] البشر . وأما غيره من الدواب فقد سخره[ في الأصل وم : سخرها ] للممتحن به . وقال قائلون : أراد كل دابة تدب على وجه الأرض من الممتحن به وغيره . وتمامه ( وما من دابة في الأرض ) جعل قوامها وحياتها بالرزق ( إلا على الله ) إنشاء ذلك الرزق لها . ثم من الرزق ما جعله بسبب ، ومنه ما جعله بغير سبب .

وقوله تعالى : ( إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) اختلف [ فيه ][ ساقطة من الأصل وم ] أيضا : قال بعضهم : قوله ( على الله رزقها ) أي على الله إنشاء رزقها ، وخلقه لها ، الذي به قوامها وحياتها ، وهو كقوله ( وفي السماء رزقكم )[ الذاريات : 22 ] أي ينشئ ، ويخلق رزقنا بسبب من السماء من المطر غيره . فعلى ذلك قوله : ( على الله رزقها ) أي على الله إنشاء رزقها وخلقه لها . وقيل : ( على الله رزقها ) أي على الله أن يبلغ إليها رزقها ، وما قدر لها ، وما به معاشها .

ثم قوله تعالى : ( على الله ) قال بعضهم : ما جاءها من الرزق إنما جاءها من الله لم يأتها من غيره ، و( على الله ) بمعنى من الله . وذلك جائز في اللغة كقوله : ( إذا اكتالوا على الناس )[ المطففين : 2 ] وهو قول مجاهد .

ويحتمل قوله : ( على الله رزقها ) أي على الله وفاء ما وعد ، وقد كان وعد أن يرزقها ، فعليه وفاء وعده وإنجازه . ويحتمل وجها آخر ، وهو أنه لما خلقها ليبقيها[ في الأصل وم : أنه يبقيها ] إلى وقت عليه إبلاغ ما به تعيش إلى ذلك الوقت والأجل الذي خلقها [ له ][ ساقطة من الأصل وم ] ليبقيها إلى ذلك [ الوقت ][ ساقطة من الأصل وم ] وبعضه قريب من بعض .

وقوله تعالى : ( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ) اختلف فيه : قال بعضهم ( مستقرها ) بالليل ، ( ومستودعها ) بالنهار في معاشها ، وقال بعضهم : المستقر : الرحم ، والمستودع الصلب ، وقال بعضهم : المستقر الصلب ، والمستودع الرحم . وقال بعضهم : المستقر المنقلب في الدنيا ، والمستودع مثواها في الآخرة ، كقوله : ( والله يعلم متقلبكم ) في الدنيا وتحرككم في معاشكم ( ومثواكم )[ محمد : 19 ] أي قراركم ومقامكم في الآخرة ، وقال بعضهم : ( مستقرها ) في الدنيا ( ومستودعها ) في القبر .

ويشبه أن يكون هذا [ إخبارا ][ ساقطة من الأصل وم ] عن العلم بها في كل حال ، [ في حال ][ ساقطة من الأصل وم ] سكونها وفي حال حركتها ، لأنها لا تخلو ؛ إما أن تكون ساكنة تارة أو متحركة [ تارة أخرى ][ ساقطة من الأصل وم ] أي يعلم عنها كل أحوالها[ في الأصل وم : حالها ] ويشبه أن يكون صلة ما تقدم ، وهو قوله : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ )الآية[ الآية : 5 ] يخبر أنه إذا لم يخف عليه كون كل دابة في الأرض ( وما تغيض الأرحام )[ الرعد : 8 ] وما استودع في الأصلاب ، كيف يخفى عليه أعمالكم التي عليها العقاب ولكم بها الثواب ، وفيها الأمر والنهي ؟ والله أعلم ، و( كل في كتاب مبين ) أي مبين في كتابه ؛ قيل : ( في اللوح المحفوظ ) ويحتمل القرآن وغيره .