فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (6)

ثم أكد كونه عالما بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال { وما من دابة } هي كل حيوان يدب على وجه الأرض وتطلق على كل ذي أربع من الحيوان على سبيل العرف ، والمراد منه الإطلاق فيدخل فيه الآدمي وغيره من جميع الحيوان وفي المصباح دب منه الصغير يدب من باب ضرب إذا مشى ودب الجيش دبيبا أيضا سار ، ومن زائدة للتأكيد أي ما من حيوان وغيره .

{ في الأرض إلا على الله رزقها } أي الرزق الذي يحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلا منه وإحسانا وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة { على } اعتبارا بسبق الوعد به منه وقيل إن { على } على بابها وأنه عليه من باب الفضل لا الوجوب لأنه لا يجب عليه شيء .

والحاصل أن المراد بالوجوب وجوب اختيار لا وجوب إلزام فهو موكول إلى مشيئته إن شاء رزقها وإن شاء لم يرزقها . وقيل أن على بمعنى { من } أي من الله رزقها ، أي ما يقوم به رمقها وتعيش به ، قال مجاهد : ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها فتموت جوعا .

ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق فكيف عن أحواله وأقواله وأفعاله { ويعلم مستقرها } أي محل استقرارها في الأرض أو محل قرارها في الأصلاب ، { ومستودعها } موضعها في الأرحام وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها ، وقال الفراء : مستقرها حيث تأوى إليه ليلا أو نهارا ومستودعها موضعها الذي تموت فيه ، وقد مر تمام الأقوال في سورة الأنعام .

ووجه تقديم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر وأما على القول الأول فلعل وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هي عليه حال كونها دابة ، والمعنى وما من دابة إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة ، وقبل كونها دابة ، وذلك حين تكون في الرحم ونحوه .

وفي البيضاوي أماكنها في الحياة وفي الممات أو في الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة 1ه .

والمراد كالمني والعلقة ، والمقار كالصلب والرحم ، وعن ابن مسعود قال : مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت ويؤيد هذا التفسير ما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض فتقول الأرض يوم القيامة : هذا ما استودعتني ) {[944]} .

ثم ختم الآية بقوله { كل في كتاب مبين } أي كل مما تقدم ذكره من الدواب ومستقرها ومستودعها ورزقها في اللوح المحفوظ أي مثبت فيه قبل خلقها .


[944]:المستدرك كتاب الإيمان 1 / 41