ثم أكد كونه عالما بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال { وما من دابة } هي كل حيوان يدب على وجه الأرض وتطلق على كل ذي أربع من الحيوان على سبيل العرف ، والمراد منه الإطلاق فيدخل فيه الآدمي وغيره من جميع الحيوان وفي المصباح دب منه الصغير يدب من باب ضرب إذا مشى ودب الجيش دبيبا أيضا سار ، ومن زائدة للتأكيد أي ما من حيوان وغيره .
{ في الأرض إلا على الله رزقها } أي الرزق الذي يحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلا منه وإحسانا وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة { على } اعتبارا بسبق الوعد به منه وقيل إن { على } على بابها وأنه عليه من باب الفضل لا الوجوب لأنه لا يجب عليه شيء .
والحاصل أن المراد بالوجوب وجوب اختيار لا وجوب إلزام فهو موكول إلى مشيئته إن شاء رزقها وإن شاء لم يرزقها . وقيل أن على بمعنى { من } أي من الله رزقها ، أي ما يقوم به رمقها وتعيش به ، قال مجاهد : ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها فتموت جوعا .
ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق فكيف عن أحواله وأقواله وأفعاله { ويعلم مستقرها } أي محل استقرارها في الأرض أو محل قرارها في الأصلاب ، { ومستودعها } موضعها في الأرحام وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها ، وقال الفراء : مستقرها حيث تأوى إليه ليلا أو نهارا ومستودعها موضعها الذي تموت فيه ، وقد مر تمام الأقوال في سورة الأنعام .
ووجه تقديم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر وأما على القول الأول فلعل وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هي عليه حال كونها دابة ، والمعنى وما من دابة إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة ، وقبل كونها دابة ، وذلك حين تكون في الرحم ونحوه .
وفي البيضاوي أماكنها في الحياة وفي الممات أو في الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة 1ه .
والمراد كالمني والعلقة ، والمقار كالصلب والرحم ، وعن ابن مسعود قال : مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت ويؤيد هذا التفسير ما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض فتقول الأرض يوم القيامة : هذا ما استودعتني ) {[944]} .
ثم ختم الآية بقوله { كل في كتاب مبين } أي كل مما تقدم ذكره من الدواب ومستقرها ومستودعها ورزقها في اللوح المحفوظ أي مثبت فيه قبل خلقها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.