فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (6)

ثم أكد كونه عالماً بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ، ونهاية الإحسان ، فقال : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا } أي : الرزق الذي تحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان ، على اختلاف أنواعه تفضلاً منه وإحساناً ، وإنما جيء به على طريق الوجوب ، كما تشعر به كلمة «على » اعتباراً بسبق الوعد به منه ، ومن زائدة للتأكيد ، ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله : أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق ، فكيف يغفل عن أحواله ، وأقواله ، وأفعاله . والدابة : كل حيوان يدب { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } أي : محل استقرارها في الأرض ، أو محل قرارها في الأصلاب { وَمُسْتَوْدَعَهَا } موضعها في الأرحام ، وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها . وقال الفراء : مستقرها : حيث تأوي إليه ليلاً ونهاراً ، ومستودعها : موضعها الذي تموت فيه ، وقد مرّ تمام الأقوال في سورة الأنعام ، ووجه تقدّم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر . وأما على القول الأوّل : فلعله وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هي عليه حال كونها دابة . والمعنى : وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة ، وقبل كونها دابة ، وذلك حيث تكون في الرحم ونحوه . ثم ختم الآية بقوله : { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مبِينٍ } أي : كل من ما تقدّم ذكره من الدوّاب ، ومستقرّها ومستودعها ، ورزقها في كتاب مبين ، وهو اللوح المحفوظ : أي مثبت فيه .

/خ8