ثم اعترض بحمده ، مناسبة للتسبيح وهو التحميد ، فقال : { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } أي : هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض .
ثم قال : { وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } فالعشاء{[22789]} هو : شدة الظلام ، والإظهار : قوة الضياء . فسبحان خالق هذا وهذا ، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ، كما قال : { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } [ الشمس : 3 ، 4 ] ، وقال { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [ الليل : 1 ، 2 ] ، وقال : { وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } [ الضحى : 1 ، 2 ] ، والآيات في هذا كثيرة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهيعة ، حدثنا زَبَّان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجُهَني ، عن أبيه{[22790]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون " {[22791]} .
وقال الطبراني : حدثنا مطلب بن شُعَيب الأزدي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، عن سعيد بن بشير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه{[22792]} ، عن عبد الله بن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال حين يصبح : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الآية بكمالها ، أدرك ما فاته في يومه ، ومَنْ قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته " . إسناد جيد{[22793]} ورواه أبو داود في سننه{[22794]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وله الحمد في السماوات والأرض} يحمده الملائكة في السماوات ويحمده المؤمنون في الأرض، {وعشيا} يعني صلاة العصر، {وحين تظهرون} آية يعني صلاة الأولى،...
{فعشيا} العصر، {وحين تظهرون}، الظهر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل قوله: {وله الحمد} على التقديم؛ يقول: سبحان الله، {وله الحمد} فيكون الحمد كناية عن الصلاة كالتسبيح لما فيها من التحميد...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه قولان: أحدهما: الحمد لله على نعمه وآلائه...
وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.
والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس.
قال يحيى بن سلام: كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال: وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَعَشِيّاً} متصل بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} وقوله: {وَلَهُ الحمد فِى السماوات والأرض} اعتراض بينهما.
وقوله: {وله الحمد في السماوات والأرض} كلام معترض بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه بين لهم أن تسبيحهم الله لنفعهم لا لنفع يعود على الله فعليهم أن يحمدوا الله إذا سبحوه وهذا كما في قوله تعالى:
{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم اعترض بحمده، مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}: هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض.
{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فالعشاء هو: شدة الظلام، والإظهار: قوة الضياء. فسبحان خالق هذا وهذا، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، من قال حين يصبح: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الآية بكمالها، أدرك ما فاته في يومه، ومَنْ قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته". إسناد جيد ورواه أبو داود في سننه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال.
{وعشياً} أي من الزوال إلى الصباح.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وله الحمد في السماوات والأرض} جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا.
وتقديم المجرور في {ولَهُ الحَمْد} لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم: فلان الشجاع، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة. ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة.
حين نتأمل هذه الأوقات التي أمرنا الله فيها بالتسبيح، وهي المساء والصباح والعشى، وهي من العصر إلى المغرب. ثم الظهيرة نجد أنها أوقات عامة سارية في كون الله لا تنقطع أبدا، فأي صباح وأي مساء؟ صباحي أنا؟ أم صباح الآخرين؟ مسائي أم مساء غيري في أقصى أطراف المعمورة؟ إن المتأمل في دورة الوقت يجد أن كل لحظة فيه لا تخلو من صباح ومساء، وعشية وظهيرة، وهذا يعني أن الله تعالى مسبح معبود في كل لحظة من لحظات الزمن. وفي ضوء هذا نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" فالكون لا يخلو في لحظة واحدة من ليل أو نهار، وهذا يعني أن يد الله سبحانه مبسوطة دائما لا تقبض: {بل يداه مبسوطتان... 64} (المائدة)...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.