المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

17- فكان مآل الشيطان ومن أغواه أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك الخلود جزاء المعتدين المتجاوزين سبيل الحق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقوله : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا } أي : فكانت عاقبة الآمر بالكفر والفاعل له ، وتصيرهما{[28609]} إلى نار جهنم خالدين فيها ، { وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } أي : جزاء كل ظالم .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عون بن أبي جُحَيْفة ، عن المنذر ابن جرير ، عن أبيه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حُفَاة عُراة مُجْتَابي النمار - أو : العَبَاء - مُتَقَلِّدي السيوف عامتهم من مُضَر ، بل كلهم من مضر ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، قال : فدخل ثم خرج ، فأمر بلالا فأذن وأقام الصلاة ، فصلى ثم خطب ، فقال :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى آخر الآية :{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[ النساء : 1 ] . وقرأ الآية التي في الحشر :{ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } .

تَصَدَّق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بُرِّه ، من صاع تمره - حتى قال - : ولو بشق تمرة " . قال : فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفه تَعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مُذْهبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وِزْرُها ووزر من عمل بها ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " .

انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبه ، بإسناد مثله{[28610]} .


[28609]:- (3) في م: "ومصيرهما".
[28610]:- (1) المسند (4/358) وصحيح مسلم برقم (1017).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنّهُمَا فِي النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فكان عُقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه ، فكفر بالله أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبدا وَذَلكَ جَزَاءُ الظّالِمِينَ يقول : وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة ، وكلّ كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به أنهم في النار مخلّدون .

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : خالِدَيْنِ فِيها فقال بعض نحويي البصرة : نصب على الحال ، وفي النار خبر قال : ولو كان في الكلام لكان الرفع أجود في «خالدين » قال : وليس قولهم : إذا جئت مرّتين فهو نصب لشيء ، إنما فيها توكيد جئت بها أو لم تجىء بها فهو سواء ، إلا أن العرب كثيرا ما تجعله حالاً إذا كان فيها للتوكيد وما أشبهه في غير مكان قال : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنّمَ خالِدِينَ فِيها . وقال بعض نحويي الكوفة : في قراءة عبد الله بن مسعود : «فَكَانَ عاقِبَتَهُمَا أنّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ في النّارِ » قال : وفي أنهما في النار خالدين فيها نصب قال : ولا أشتهي الرفع وإن كان يجوز ، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت ، فهذا من ذلك قال : ومثله في الكلام قولك : مررت برجل على نابِه متحملاً به ومثله قول الشاعر :

والزّعْفَرَانُ عَلى تَرائِبها *** شَرِقا بِهِ اللّبّاتُ والنّحْرُ

لأن الترائب هي اللبات ها هنا ، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه ، فإذا اختلفت الصفتان جاز الرفع والنصب على حُسْن ، من ذلك قولك : عبد الله في الدار راغب فيك ، ألا ترى أن «في » التي في الدار مخالفة لفي التي تكون في الرغبة قال : والحجة ما يُعرف به النصف من الرفع أن لا ترى الصفة الاَخرة تتقدم قبل الأولى ألا ترى أنك تقول : هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه ، فلو قلت : هذا أخوك قابضا عليه في يده درهم لم يجز ، إلا ترى أنك تقول : هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم ، فهذا يدل على أن المنصوب إذا امتنع تقديم الاَخر ، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الاَخر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقوله تعالى : { فكان عاقبتهما } الآية ، يحتمل الضمير أن يعود على المخصوصين المذكورين ، ويحتمل أن يعود على اسمي الجنس أي هذا هو عاقبة كل شيطان وإنسان يكون أمرهما هكذا ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «عاقبتُهما » بالرفع ، وقرأ جمهور الناس : «عاقبتَهما » بالنصب وموضع أن يخالف إعراب المعاقبة في القراءتين إن شاء الله تعالى ، وقرأ الأعمش وابن مسعود : «خالدان » بالرفع على أنه خبر «أن » ، والظرف ملغى ، ويلحق هذه الآية من الاعتراض إلغاء الظرف مرتين قاله الفراء ، وذلك جائز عند سيبويه على التأكيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقول : { فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها } من تمام المثل . أي كان عاقبة الممثل بهما خسرانهما معاً . وكذلك تكون عاقبة الفريقين الممثلين أنهما خائبان فيما دبّرا وكادا للمسلمين .

وجملة { وذلك جزاء الظالمين } تذييل ، والإِشارة إلى ما يدل عليه { فكان عاقبتهما أنهما في النار } من معنى ، فكانت عاقبتهما سوأى والعاقبة السّوأى جزاء جميع الظّالمين المعتدين على الله والمسلمين ، فكما كانت عاقبة الكافر وشيطانه عاقبة سوء كذلك تكون عاقبة الممثلين بهما وقد اشتركا في ظلم أهل الخير والهدى .