ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه ، أي : يستريحون فيه من نَصَبهم وكلالهم وحَرَكاتهم ، { وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا } أي : مضيئا لمعاشهم وسعيهم ، وأسفارهم ومصالحهم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يسمعون هذه الحجج والأدلة ، فيعتبرون{[14330]} بها ، ويستدلون على عظمة خالقها ، ومقدرها ومسيرها .
القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْلّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنّهَارَ مُبْصِراً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إن ربكم أيها الناس الذي استوجب عليكم العبادة هُوَ الربّ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ وفصله من النهار ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ مما كنتم فيه في نهاركم من التعب والنصب ، وتهدءوا فيه من التصرّف والحركة للمعاش والعناء الذي كنتم فيه بالنهار . والنّهارَ مُبْصِرا يقول : وجعل النهار مبصرا ، فأضاف الإبصار إلى النهار ، وإنما يبصر فيه ، وليس النهار مما يُبْصِر ولكن لمّا كان مفهوما في كلام العرب معناه ، خاطبهم بما في لغتهم وكلامهم ، وذلك كما قال جرير :
لَقَدْ لُمْتِنا يا أُمّ غَيْلانَ فِي السّرَى *** ونِمْتِ وَما لَيْلُ المَطِيّ بِنائِمِ
فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به ، ومعناه نفسه أنه لم يكن نائما فيه هو ولا بعيره . يقول تعالى ذكره : فهذا الذي يفعل ذلك هو ربكم الذي خلقكم وما تعبدون ، لا ما لا ينفع ولا يضرّ ولا يفعل شيئا .
وقوله : إنّ فِي ذلكَ لاََياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يقول تعالى ذكره : إن في اختلاف حال الليل والنهار وحال أهلهما فيهما دلالة وحججا على أن الذي له العبادة خالصا بغير شريك ، هو الذي خلق اللّيل والنهار وخالف بينهما ، بأن جعل هذا للخلق سكنا وهذا لهم معاشا ، دون من لا يخلق ولا يفعل شيئا ولا يضرّ ولا ينفع . وقال : لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ لأن المراد منه : الذين يسمعون هذه الحجج ويتفكرون فيها فيعتبرون بها ويتعظون ، ولم يرد به الذين يسمعون بآذانهم ثم يعرضون عن عبره وعظاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.